وخرج رسول الله ﷺ والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فرفعوا إلى الآطام، ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة، وكان بنو غطفان من أعلى الوادي من قبل المشرق، وقريش من أسفل الوادي من قبل المغرب كما قال تعالى:
﴿إذ جاؤكم﴾ وهو بدل من إذ جاءتكم ﴿من فوقكم﴾ أي: من أعلى الوادي ﴿ومن أسفل منكم﴾ أي: من أسفل الوادي ﴿وإذ﴾ أي: واذكر حين ﴿زاغت الأبصار﴾ أي: مالت عن سداد القصد فعل الواله الجزع بما حصل لهم من الغفلة الحاصلة من الرعب، وقوله تعالى: ﴿وبلغت القلوب الحناجر﴾ جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم كناية عن شدة الرعب والخفقان. قال البقاعي: ويجوز وهو الأقرب أن يكون ذلك حقيقة بجذب الطحال والرئة لها عند ذلك بانتفاخهما إلى أعلى الصدر، ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره أي: رئته، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله ﷺ إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عمرو وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله ﷺ وأصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة، فذكر ذلك رسول الله ﷺ لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه فقالا: يا رسول الله أشيء أنزل الله تعالى به لابد لنا من عمل به أم أمر تحبه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا، قال: لا والله بل لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام وأعزنا الله تعالى بك نعطيهم أموالنا،