ولما بين تعالى هؤلاء الذين هتكوا الستر وبينوا ما هم فيه من سفول الأمر أتبعهم آخرين تستروا ببعض الستر متمسكين بأذيال النفاق خوفاً من أهوال الشقاق بقوله تعالى: ﴿ويستأذن﴾ أي: يجدد كل وقت طلب الإذن لأجل الرجوع إلى البيوت والكون مع النساء ﴿فريق منهم﴾ أي: طائفة شأنها الفرقة ﴿النبي﴾ في الرجوع، وقد رأوا ما حواه من علو المقدار بما له من حسن الخلق والخلق وما له من جلالة الشمائل وكرم الخصائل، وهم بنو حارثة وبنو سلمة ﴿يقولون﴾ أي: في كل قليل مؤكدين لعلمهم بكذبهم وتكذيب المؤمنين قولهم ﴿إن بيوتنا﴾ أتوا بجمع الكثرة إشارة إلى كثرة أصحابهم من المنافقين ﴿عورة﴾ أي: غير حصينة بها خلل كبير يمكن كل من أراد من الأحزاب أن يدخلها يدخلها منه، وقيل قصيرة الجدران فإذا ذهبنا إليها حفظناها منهم وكفينا من يأتي إلينا من مفسديهم حماية للدين وذباً عن الأهلين، وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء والباقون بالكسر، ثم أكذبهم الله تعالى بقوله تعالى: ﴿وما﴾ أي: والحال أنها ما ﴿هي بعورة﴾ في ذلك الوقت الذي قالوا هذا فيه ولا يريدون بذهابهم حمايتها ﴿إن﴾ أي: ما ﴿يريدون﴾ باستئذانهم ﴿إلا فراراً﴾ من القتال.
ولما كانت عنايتهم مشتدة بملازمة دورهم، فأظهروا اشتداد العناية بحمايتها زوراً بين تعالى ذلك بقوله تعالى:
(٨/١٩)
---