قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أعرض عليك أمراً لا أحب أن تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله لم يبعثني معنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً قوله «واجماً» أي: مهتماً والواجم: الذي أسكته الهم، وعلته الكآبة وقيل: الوجوم الحزن، وقوله: فوجأت عنقها أي: دققته، وقوله: لم يبعثني معنتاً العنت: المشقة والصعوبة، وروى الزهري أن النبي ﷺ أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهراً، قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة قالت: فلما مضت تسع وعشرون أعدهن دخل عليّ فقلت: يا رسول الله إنه مضى تسع وعشرون أعدهن فقال: «إن الشهر تسع وعشرون».
تنبيه: اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويضاً للطلاق إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أو لا، ذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم: إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى: ﴿فتعالين أمتعكن وأسرحكن﴾ ويدل عليه أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة: لا تعجلي حتى تستشيري أبويك، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب آخرون: إلى أنه كان تفويض طلاق، ولو اخترن أنفسهن كان طلاقاً.
واختلف العلماء في حكم التخيير: فقال عمر وابن مسعود وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء، ولو اختارت نفسها وقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أن عند أصحاب الرأي: أنه يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها.
(٨/٤٤)
---