ثم بين تعالى منزلته من النبي ﷺ بقوله تعالى: ﴿وأنعمت عليه﴾ أي: بالعتق والتبني حيث استشارك في فراق زوجته التي أخبرك الله تعالى أنه يفارقها وتصير زوجتك ﴿أمسك عليك زوجك﴾ أي: زينب رضي الله عنها ﴿واتق الله﴾ الذي له جميع العظمة في جميع أمرك ﴿وتخفي﴾ أي: والحال أنك تخفي أي: تقول قولاً مخفياً ﴿ما في نفسك﴾ أي: ما أخبرك الله من أنها ستصير إحدى زوجاتك عند طلاق زيد ﴿ما الله مبديه﴾ أي: مظهره بحمل زيد على تطليقها، وإن أمرته بإمساكها وتزويجك بها وأمرك بالدخول عليها، وهذا دليل على أنه ما أخفى غير ما أعلمه الله تعالى من أنها ستصير زوجته عند طلاق زيد؛ لأن الله تعالى ما أبدى غير ذلك، ولو أخفى غيره لأبداه سبحانه؛ لأنه لا يبدل قوله، وقول ابن عباس كان في قلبه حبها بعيد، وكذا قول قتادة: ودّ لو أنه لو طلقها زيد، وكذا قول غيرهما: كان في قلبه لو فارقها زيد تزوجها.
ولما ذكر تعالى إخفاءه ذلك ذكر علته بقوله تعالى: عاطفاً على تخفي ﴿وتخشى الناس﴾ أي: من أن تخبر بما أخبر الله تعالى به فيصوبوا إليك مرجمات الظنون لاسيما اليهود والمنافقون، وقال ابن عباس والحسن: تستحييهم، وقيل: تخاف لأئمة الناس أن يقولوا: أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها ﴿والله﴾ أي: والحال أن الذي لا شيء أعظم منه ﴿أحق أن تخشاه﴾ أي: وحده ولا تجمع خشية الناس مع خشيته في أن تؤخر شيئاً أخبرك به حتى يأتيك فيه أمر. قال عمر وابن مسعود وعائشة: ما نزلت على رسول الله ﷺ آية هي أشد عليه من هذه، وروي عن مسروق قال: قالت عائشة: «لو كتم النبي ﷺ شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآية ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه﴾.
(٨/٦٥)
---


الصفحة التالية
Icon