ولما كانت العدة حقاً للرجال وإن كانت لا تسقط بإسقاطهم لما فيها من حق الله تعالى قال تعالى: ﴿فما لكم عليهن من عدة﴾ أي: أياماً يتربصن فيها بأنفسهن ﴿تعتدونها﴾ أي: تحصونها وتستوفونها بالإقراء وغيرها، فتعتدونها صفة لعدة، وتعتدونها إما من العدد، وإما من الاعتداد، أو تحسبونها أو تستوفون عددها من قولك: عد الدراهم فاعتدها أي: استوفى عددها نحو: كلته فاكتال ووزنته فاتزن، فإن قيل: ما الفائدة في الاتيان بثم وحكم من طلقت على الفور بعد العقد كذلك؟ أجيب: بأن ذلك إزاحة لما قد يتوهم أن تراخي الطلاق ريثما تمكن الإصابة كما يؤثر في النسب فيؤثر في العدة، وظاهره يقتضي عدم وجود العدة بمجرد الخلوة، وتخصيص المؤمنات والحكم عام للتنبيه على أن شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخيراً لنطفة المؤمن، وفي هذه الآية دليل على أن تعليق الطلاق قبل النكاح لا يصح؛ لأن الله تعالى رتب الطلاق بكلمة ثم وهي للتراخي حتى لو قال لأجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق. وهو قول علي وابن مسعود وجابر ومعاذ وعائشة رضي الله تعالى عنهم، وبه قال أهل العلم: منهم الشافعي وأحمد رضي الله تعالى عنهما. وروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي: وقال ربيعة ومالك والأوزاعي: إن عيّن امرأة يقع وإن عمم فلا يقع.
(٨/٨٢)
---