ولما كان الجواب ليس به شيء من ذلك عطف عليه قوله تعالى ﴿بل الذين لا يؤمنون﴾ أي: لا يوجدون الإيمان لأنهم طبعوا على الكفر ﴿بالآخرة﴾ أي: المشتملة على البعث والعذاب ﴿في العذاب﴾ أي: في الآخرة ﴿والضلال البعيد﴾ أي: عن الصواب في الدنيا، فرد الله تعالى عليهم ترديدهم وأثبت لهم سبحانه ما هو أفظع من القسمين فقوله تعالى ﴿بل الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾(يس: ٨١)
(٩/١٠)
---
في العذاب في مقابلة قولهم ﴿أفترى على الله كذباً﴾ وقوله تعالى ﴿والضلال البعيد﴾ في مقابلة قولهم ﴿أم به جنة﴾ وكلاهما مناسب، أما العذاب فلأن نسبة الكذب إلى الصادق مؤد إلى أنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوا الكذب إلى البريء، وأما الضلال فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء، فإنه لا يشهد عليه بأنه يعذب وإنما ينسبه إلى عدم الهداية فبين تعالى أنهم هم الضالون، ثم وصف ضلالهم بالبعد ووصف الضلال به للإسناد المجازي لأن من يسمى المهدي ضالاً يكون أضل، والنبي ﷺ هادي كل مهتد.
ولما ذكر تعالى الدليل على كونه عالم الغيب وكونه مجازياً على السيئات والحسنات، ذكر دليلاً آخر فيه التهديد والتوحيد بقوله تعالى:
﴿أفلم يروا﴾ أي: ينظروا ﴿إلى ما بين أيديهم﴾ أي: أمامهم ﴿وما خلفهم﴾ وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كلا الخافقين فقوله تعالى ﴿من السماء والأرض﴾ دليل التوحيد فإنهما يدلان على الوحدانية، ويدلان على الحشر والإعادة لأنهما يدلان على كمال القدرة لقوله تعالى ﴿أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم﴾ وأما دليل التهديد فقوله تعالى ﴿إن نشأ﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿نخسف بهم الأرض﴾ أي: كما فعلنا بقارون وذويه لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيه بأولى من غيره ﴿أو نسقط عليهم كسفاً﴾ أي: قطعاً ﴿من السماء﴾ فنهلكهم بها، وقرأ حفص بفتح السين والباقون بسكونها.
(٩/١١)
---