﴿ذلك﴾ أي: الجزء العظيم بالتبديل ﴿جزيناهم﴾ بما لنا من العظمة ﴿بما كفروا﴾ أي: غطوا الدليل الواضح وهو ما جاء به الرسل، إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبياً فكذبوهم وقيل بكفرانهم النعمة ﴿وهل يجازى﴾ أي: مثل هذا الجزاء الذي هو على وجه العقاب ﴿إلا الكفور﴾ أي: إلا البليغ في الكفر، وقال مجاهد: يجازى أي: يعاقب ويقال في العقوبة: يجازي، وفي المثوبة: يجزي قال الفراء: المؤمن يجزى ولا يجازى أي: يجزي الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته وقال بعضهم: المجازاة تقال في النقمة والجزاء في النعمة لكن قوله تعالى ﴿ذلك جزيناهم﴾ يدل على أن يجزي في النقمة أيضاً قال ابن عادل: ولعل من قال ذلك أخذه من أن المجازاة مفاعلة وهي في أكثر الأمر تكون ما بين اثنين يوجد من كل واحد جزاء في حق الآخر، وفي النعمة لا تكون مجازاة لأن الله تعالى مبتدئ بالنعم، وقيل: المؤمن تكفر سيئاته بحسناته، والكافر يحبط عمله فيجازى بجميع ما يفعله من السوء، وليس لقائل أن يقول: لم قيل وهل يجازى إلا الكفور على اختصاص الكفر بالجزاء والجزاء عام للمؤمن والكافر، لأنه لم يرد الجزاء العام إنما أراد الخاص، وهو العقاب بل لا يجوز أن يراد العموم وليس بموضعه، ألا ترى أنك لو قلت: جزيناهم بما كفروا وهل يجازى إلى الكافر والمؤمن لم يصح ولم يعد كلاماً فتبين أنما يتخيل من السؤال مضمحل، وإن الصحيح الذي لا يجوز غيره ما جاء عليه كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون مضمومة وكسر الزاي الكفور بالنصب والباقون بالياء المضمومة ونصب الزاي الكفور بالرفع.
ولما تم الخبر عن الجنان التي بها القوام نعمة ونقمة أتبعه مواضع السكان بقوله تعالى:
(٩/٣٤)
---