ولما انقضى الخبر عن هذه الأوصاف التي تستدعي غاية الشكر لما فيها من الألطاف دل على بطرهم للنعمة بها بأنهم جعلوها سبباً للضجر والملال بقوله تعالى:
﴿فقالوا﴾ أي: على وجه الدعاء ﴿ربنا باعد بين أسفارنا﴾ أي: إلى الشام أي: اجعلها مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل، وتزوّد الأزواد والماء فبطروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل لما طلبوا الثوم والبصل فأجابهم الله تعالى بتخريب القرى المتوسطة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بتشديد العين ولا ألف قبلها فعل طلب، والباقون بألف قبل العين وتخفيف العين، وقرئ بلفظ الخبر على أنه شكوى منهم لبعد سفرهم إفراطاً في الترفه وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه ﴿وظلموا﴾ حيث عدوا النعمة نقمة والإحسان إساءة ﴿أنفسهم﴾ بالكفر ﴿فجعلناهم﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿أحاديث﴾ أي: عبرة لمن بعدهم يتحدث الناس بهم تعجباً وضرب مثل فيقولون: ذهبوا أيدي سبأ وتفرقوا أيادي سبأ قال كثير:
*أيادي سبا يا عزُّ ما كنت بعدكم ** فلم يحل للعينين بعدك منظر*
(٩/٣٦)
---