﴿ولقد صدّق عليهم إبليس﴾ أي: الذي هو من البلس وهو ما لا خير عنده، أو الإبلاس وهو اليأس من كل خير ليكون ذلك أبلغ في التبكيت والتوبيخ ﴿ظنه﴾ قرأه الكوفيون بتشديد الدال بعد الصاد أي: ظن فيهم ظناً حيث قال: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك﴾ (ص: ٨٢) ولا تجد أكثرهم شاكرين فصدق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه، والباقون بالتخفيف أي: صدّق عليهم في ظنه بهم أي: على أهل سبأ كما قاله أكثر المفسرين حين رأى انهماكهم في الشهوات أو الناس كلهم كما قاله مجاهد أي: حين رأى أباهم آدم ضعيف العزم، أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب أو سمع من الملائكة ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ (البقرة: ٣٠) فقال: لأضلنهم ولأغوينهم، أو الكفار ومنهم سبأ كما قاله الجلال المحلي ﴿فاتبعوه﴾ أي: بغاية الجهد بميل الطبع وقوله ﴿إلا فريقاً من المؤمنين﴾ استثناء متصل على قول مجاهد ومنقطع على قول غيره، وقال السدي عن ابن عباس رضي الله عنه: يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين وتقليلهم بالإضافة إلى الكفار، أو إلا فريقاً من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون قال ابن قتيبة: إن إبليس لعنه الله تعالى لما سأل النظرة فأنظره الله تعالى وقال ﴿لأغوينهم﴾ (الحجر: ٣٩)
و﴿لأضلنهم﴾ (النساء: ١١٩)
لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم، وإنما قاله ظناً، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم.
ولما كان ذلك ربما أوهم أن لإبليس أمراً بنفسه نفاه بقوله تعالى:
(٩/٣٨)
---