بعدما حجهم وقد نبه على تفاحش غلطهم بقوله تعالى: ﴿بل هو الله العزيز﴾ أي: الغالب على أمره الذي لا مثل له وكل شيء يحتاج إليه ﴿الحكيم﴾ أي: المحكم لكل ما يفعله فلا يستطيع أحد نقض شيء منه فكيف يكون له شريك، وأنتم ترون ما ترون له من هاتين الصفتين المنافيتين لذلك.
تنبيه: في هذا الضمير وهو «هو» قولان: أحدهما: أنه عائد إلى الله تعالى أي: ذلك الذي ألحقتم به شركاء هو الله والعزيز الحكيم صفتان. والثاني: أنه ضمير الأمر والشأن والله مبتدأ، والعزيز الحكيم خبر إن والجملة خبر هو.
فإن قيل: ما معنى قوله ﴿أروني﴾ وكان يراهم ويعرفهم أجيب: بأنه أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله تعالى وأن يقاس على أعينهم فيه وبين أصنامهم ليطلعهم على إحالة القياس إليه والإشراك به.
ولما بين تعالى مسألة التوحيد شرع في الرسالة بقوله سبحانه وتعالى:
﴿وما أرسلناك﴾ أي: بعظمتنا ﴿إلا كافة للناس﴾ أي: إرسالاً عاماً شاملاً لكل ما شمله إيجادنا فكأنه حال من الناس قدم للاهتمام، وقول البيضاوي: ولا يجوز جعلها حالاً من الناس أي: لأن تقديم حال المجرور عليه كتقديم المجرور على الجار رده أبو حيان بقوله: هذا ما ذهب إليه الجمهور وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون إلى جوازه وهو الصحيح انتهى. وهذا هو الذي ينبغي اعتماده ويؤيده قوله ﷺ «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» ومن أمثلة أبي علي: زيد خير ما يكون خير منك والتقدير: زيد خير منك خير ما يكون وأنشد:
*إذا المرء أعيته المطالب ناشئاً ** فمطلبها كهلاً عليه شديد*
أي: فمطلبها عليه كهلاً وأنشد أيضاً:
*تسليت طراً عنكم بعد بينكم ** بذكراكم حتى كأنكم عندي*
أي: عنكم طراً، وقيل: أنه حال من كاف أرسلناك والمعنى: إلا جامعاً للناس في الإبلاغ والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة كهي في علامة ورواية قاله الزجاج.
(٩/٤٨)
---