ولما بين تعالى أن حال النبي ﷺ كحال من تقدمه من الأنبياء وحال قومه كحال من تقدم من الكفار وبين بطلان استدلالهم بكثرة أموالهم وأولادهم، بين ما يكون عاقبة حالهم بقوله تعالى:
(٩/٦١)
---
﴿ويوم يحشرهم﴾ أي: نجمعهم جمعاً بكره بعد البعث وعم التابع والمتبوع بقوله تعالى: ﴿جميعاً﴾ فلم نغادر منهم أحداً، وقرأ حفص يحشرهم ثم يقول بالياء والباقون بالنون.
ولما كانت مواقف الحشر طويلة وزلازله مهولة قال تعالى: ﴿ثم نقول للملائكة﴾ أي: توبيخاً للكافرين وإقناطاً مما يرجون منهم من الشفاعة ﴿أهؤلاء﴾ أي: الضالون وأشار إلى أنه لا ينفع من العبادة إلا ما كان خالصاً بقوله تعالى: ﴿إياكم﴾ أي: خاصة ﴿كانوا يعبدون﴾ فهذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر:
إياك أعني واسمعي يا جارة ونحوه قوله عز وجل: ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾ (المائدة: ١١٦)
وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين براء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا فيكون تقريعهم أشد وتعييرهم أبلغ وخجلهم أعظم ولذلك:
﴿قالوا﴾ أي: الملائكة متبرئين منهم مفتتحين بالتنزيه تخضعاً بين يدي البراءة خوفاً ﴿سبحانك﴾ أي: تنزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن أن يستحق أحد غيرك أن يعبد ﴿أنت ولينا﴾ أي: معبودنا الذي لا وصلة بيننا وبين أحد إلا بأمره ﴿من دونهم﴾ أي: ليس بيننا وبينهم ولاية بل عداوة، وكذا كان من تقرب إلى شخص بمعصية الله تعالى فإنه يقسى الله تعالى قلبه عليه ويبغضه فيه فيجافيه ويعاديه.
ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم ﴿بل كانوا يعبدون الجن﴾ أي: إبليس وذريته الذين زينوا لهم عبادتنا من غير رضانا بذلك، وكانوا يدخلون في أجواف الأصنام ويخاطبونهم ويستجيرون بهم في الأماكن المخوفة، ومن هذا تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة.