﴿وقال الذين كفروا﴾ أي: ستروا ما دلت عليه العقول من جهة القرآن ﴿للحق﴾ أي: الهدى الذي لا أثبت منه باعتبار كمال الحقيقة فيه ﴿لما جاءهم﴾ من غير نظر ولا تأمل ﴿أن﴾ أي: ما ﴿هذا﴾ أي: الثابت الذي لا شيء أثبت منه ﴿إلا سحر﴾ أي: خيال لا حقيقة له ﴿مبين﴾ أي: ظاهر قال ابن عادل: وهذا إنكار للتوحيد وكان مختصاً بالمشركين، وأما إنكار القرآن والمعجزة فكان متفقاً عليه بين المشركين وأهل الكتاب فقال تعالى: ﴿وقال الذين كفروا﴾ على العموم انتهى. ولم يحملهم على ذلك إلا الحظوظ النفسانية والعلق الشهوانية قال الطفيل بن عمرو الدوسي ذو النور: «لقد أكثروا علي في أمره ﷺ حتى حشوت في أذني ماء الكرفس خوفاً من أن يخلص إلي شيء من كلامهم فيفتنني، ثم أراد الله تعالى لي الخير فقلت واثكل أمي إني والله للبيب عاقل شاعر ولي معرفة بغث الكلام من سمينه فما لي لا أسمع منه فإن كان حقاً تبعته، وإن كان باطلاً كنت منه على بصيرة أو كما قال قال: فقصدت النبي ﷺ فقلت: أعرض على ما جئت به فلما عرضه علي قلت: بأبي وأمي ما سمعت قولاً قط هو أحسن منه ولا أمراً أعدل منه فما توقفت في أن أسلمت ثم سأل النبي ﷺ في أن يدعو له الله تعالى أن يعطيه آية يعينه بها على قومه، فلما أشرف على حاضر قومه كان له نور في جبهته فخشي أن يظنوا أنها مثلة فدعا الله تعالى بتحويله فتحول في طرف سوطه فأعانه الله تعالى على قومه فأسلموا».
تنبيه: في تكرير الفعل وهو قال: والتصريح بذكر الكفرة وما في لامي الذين والحق من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وما في لما من المفاجأة إلى البت بهذا القول إنكار عظيم للقول وتعجيب بليغ منه.
ولما بارزوا بهذا القول من غير أثارة من علم ولا خبر من سمع بين ذلك بقوله تعالى:
(٩/٦٥)
---