﴿قل إنما أعظكم﴾ أي: أرشدكم وأنصح لكم ﴿بواحدة﴾ أي: بخصلة واحدة هي ﴿أن تقوموا﴾ أي: توجهوا نفوسكم إلى تعرف الحق وعبر بالقيام إشارة إلى الاجتهاد ﴿لله﴾ أي: الذي لا أعظم منه على وجه الإخلاص واستحضار ما له من العظمة بما له لديكم من الإحسان لا لإرادة المغالبة حال كونكم ﴿مثنى﴾ أي: اثنين اثنين قال البقاعي: وقدمه إشارة إلى أن أغلب الناس ناقص العقل ﴿وفرادى﴾ أي: واحداً واحداً من وثق بنفسه في رصانة عقله وإصابة رأيه قام وحده ليكون أصفى لسره وأعون على خلوص فكره، ومن خاف عليها ضم إليه آخر ليذكره إذا نسي ويقومه إذا زاغ، ولم يذكر غيرهما من الأقسام لأن الازدحام يشوش الخواطر ويخلط القول.
ولما كان ما طلب منهم هذا لأجله عظيماً جديراً بأن يهتم له هذا الاهتمام أشار إليه بأداة التراخي بقوله تعالى: ﴿ثم تتفكروا﴾ أي: في أمر محمد ﷺ وما جاء به لتعلموا حقيته ﴿ما بصاحبكم﴾ أي: رسولكم الذي أرسل إليكم وهو محمد ﷺ ﴿من جنة﴾ أي: جنون يحمله على ذلك ﴿إن﴾ أي: ما ﴿هو﴾ أي: المحدث عنه بعينه ﴿إلا نذير﴾ أي: خالص إنذاره ﴿لكم بين يدي﴾ أي: قبل حلول ﴿عذاب شديد﴾ أي: في الآخرة إن عصيتموه، روى البخاري عن ابن عباس أنه قال: «صعد رسول الله ﷺ الصفا ذات يوم فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا: بلى قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا فأنزل الله تعالى ﴿تبت يدا أبي لهب وتب﴾ (المسد: ١)
ولما انتفى عنه بهذا ما تخيلوا به بقي إمكان أن يكون لغرض أمر دنيوي فنفاه بقوله تعالى:
(٩/٦٧)
---