أجيب: بأن الماضي كالأمس الدابر وهو من أبعد ما يكون إذ لا وصول إليه، والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنون فإنه آت فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيها، ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي بعد الألف بهمزة مضمومة والباقون بعد الألف بواو مضمومة فمعناه على هذا: كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريباً في الدنيا فضيعوه، وأما من همز فقيل معناه هذا أيضاً.
وقيل: التناؤش بالهمز من التنؤش الذي هو حركة في إبطاء يقال: جاء منئشاً أي: مبطئاً متأخراً والمعنى: من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه قال ابن عباس: يسألون الرد فيقال: وأنى لهم الرد إلى الدنيا من مكان بعيد أي: من الآخرة إلى الدنيا وأمال أنى محضة حمزة والكسائي، وأبو عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح.
﴿وقد﴾ أي: كيف لهم ذلك والحال أنهم قد ﴿كفروا به﴾ أي: بالذي طلب منهم أن يؤمنوا به محمد ﷺ أو القرآن أو البعث ﴿من قبل﴾ أي: في دار العمل ﴿و﴾ الحال أنهم حال كفرهم ﴿يقذفون﴾ أي: يرمون ﴿بالغيب﴾ ويتكلمون بما يظهر لهم في الرسول ﷺ من المطاعن وهو قولهم: ساحر وشاعر وكاهن، وفي القرآن سحر شعر كهانة وقال قتادة: يعني يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار ﴿من مكان بعيد﴾ أي: ما غاب علمه عنهم غيبة بعيدة وهذا تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئاً ولا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه.
(٩/٧٢)
---