ولما ذكر الليل والنهار ذكر ما ينشأ عنهما بقوله تعالى: ﴿وسخر الشمس والقمر﴾ ثم استأنف قوله تعالى ﴿كل﴾ أي: منهما ﴿يجري﴾ أي: في فلكه ﴿لأجل﴾ أي: لأجْلِ أجَلٍ ﴿مسمى﴾ مضروب له لا يقدر أن يتعداه، فإذا جاء ذلك الأجل غرب هكذا كل يوم إلى أن يأتي الأجل الأعظم فيختل هذا النظام بإذن الملك العلام، وتقوم الناس ليوم الزحام وتكون الأمور العظام.
ولما ذكر سبحانه أنه الفاعل المختار القادر على ما يريد بما يشاهده كل أحد في نفسه وفي غيره وختم بما تكرر مشاهدته في كل يوم مرتين أنتج ذلك قطعاً قوله تعالى معظماً بأداة البعد وميم الجمع ﴿ذلكم﴾ أي: العالي المقدار الذي فعل هذه الأفعال كلها ﴿الله﴾ الذي له صفة كل كمال، ثم نبههم على أنه لا مدبر لهم سواه بخبر آخر بقوله تعالى: ﴿ربكم﴾ أي: الموجد لكم من العدم المربّي بجميع النعم لا رب لكم سواه، ثم استأنف قوله تعالى: ﴿له﴾ أي: وحده ﴿الملك﴾ أي: كله وهو مالك كل شيء ﴿والذين تدعون﴾ أي: تعبدون ﴿من دونه﴾ أي: غيره وهم الأصنام وغيرها وكل شيء دونه ﴿ما يملكون﴾ في حال من الأحوال وأعرق في النفي بقوله تعالى: ﴿من قطمير﴾ وهو كما روي عن ابن عباس: لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة الملتفة عليها، كناية عن أدنى الأشياء فكيف بما فوقه؟ فليس لهم شيء من الملك، والآية من الاحتباك ذكر الملك أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والملك ثانياً دليلاً على حذفه أولاً.
وقيل: القطمير هو القمع وقيل: ما بين القمع والنواة، ففي النواة على الأول أربعة أشياء يضرب بها المثل: في القلة الفتيل: وهو ما في شق النواة، والقطمير: وهو اللفافة والنقير: وهو ما في ظهر النواة والرقروق: وهو ما بين القمع والنواة ثم بين ذلك بقوله تعالى:
﴿إن تدعوهم﴾ أي: المعبودات من دونه دعاء عبادة أو استعانة ﴿لا يسمعوا دعاءكم﴾ أي: لأنهم جماد ﴿ولو سمعوا﴾ أي: على سبيل الفرض والتقدير ﴿ما استجابوا لكم﴾ أي: لعدم قدرتهم على الانتفاع.
(٩/٩٥)
---


الصفحة التالية
Icon