﴿إن الله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿يمسك السموات﴾ أي: على كبرها وعلوها ﴿والأرض﴾ أي: على سعتها وبعدها عن التماسك على ما تشاهدون، وقوله تعالى ﴿أن تزولا﴾ أي: برجة عظيمة وزلزلة كبيرة يجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي: كراهة أن تزولا، وقيل: لئلا تزولا، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً على إسقاط الخافض أي: يمنعهما من أن تزولا، ويجوز أن يكون بدل اشتمال أي: يمنع زوالهما؛ لأن ثباتهما على ما هما عليه على غير القياس لولا شامخ قدرته وباهر عزته وعظمته، فإن ادعيتم عناداً أن شركاءكم لا يقدرون على الخلق لعلة من العلل فادعوهم لإزالة ما خلق الله تعالى.
ولما كان في هذا دليل على أنهما حادثتان زائلتان أتبعه ما هو أبين منه بقوله تعالى: معبراً بأداة الإمكان ﴿ولئن﴾ لام قسم ﴿زالتا﴾ أي: بزلزلة خراب أو غير ذلك ﴿إن﴾ أي: ما ﴿أمسكهما من أحد من بعده﴾ جواب القسم الموطأ له بلام القسم وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم، ولذلك كان فعل الشرط ماضياً، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: والجملة سدت مسد الجوابين فيه تجوز، فالمراد بسدهما مسدهما أنها تدل عليهما لا أنها قائمة مقامهما إذ يلزم أن تكون معمولة وغير معمولة؛ لأنها باعتبار جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وباعتبار جواب الشرط لها محل، ومن في ﴿من أحد﴾ مزيدة لتأكيد الاستغراق وفي ﴿من بعده﴾ لابتداء الغاية، والمعنى: أحد سواه أو من بعد الزوال ﴿إنه كان﴾ أي: أزلاً وأبداً ﴿حليماً﴾ إذ أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّاً كما قال تعالى ﴿تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً﴾ (مريم: ٩٠)
لأنه لا يستعجل إلا من يخاف الفوت فينتهز الفرصة ﴿غفوراً﴾ أي: محاء لذنوب من رجع إليه وأقبل بالاعتراف عليه فلا يعاقبه ولا يعاتبه.
ولما بلغ كفار مكة أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم:
(٩/١٢٤)
---