ثالثها: أن هذا ليس بمجرد الحلف بل دليل خرج في صورة اليمين؛ لأن القرآن معجزة، ودليل كونه مرسلاً هو المعجزة والقرآن كذلك، فإن قيل: لِمَ لم يذكر في صورة الدليل وما الحكمة في ذكر الدليل في صورة اليمين؟ أجيب: بأن الدليل إذا ذكر في صورة اليمين، واليمين لا يقع ولاسيما من العظيم الأعلى أمر عظيم والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصغاء إليه فلصورة اليمين يقبل عليه السامع لكونه دليلاً شافياً يسر به الفؤاد فيقع في السمع وفي القلب وقوله تعالى:
﴿على صراط﴾ أي: طريق واسع واضح ﴿مستقيم﴾ أي: هو التوحيد والاستقامة في الأمر، يجوز أن يكون متعلقاً بالمرسلين تقول: أرسلت عليه كذا قال تعالى ﴿وأرسل عليهم طيراً أبابيل﴾ (الفيل: ٣)
وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في ﴿لمن المرسلين﴾ لوقوعه خبراً، وأن يكون حالاً من المرسلين، وأن يكون خبراً ثانياً لإنك.H
وقرأ قنبل «سراط» بالسين عوضاً عن الصاد، وخلف بالإشمام وهو بين الصاد والزاي، والباقون بالصاد الخالصة.
ولما كان كأنه قيل: ما هذا الذي أرسل به؟ كان كأنه قيل جواباً: هو القرآن الذي وقع الإقسام به وهو:
﴿تنزيل﴾ أو حال كونه تنزيل ﴿العزيز﴾ أي: المتصف بجميع صفات الجلال ﴿الرحيم﴾ أي: الحاوي لجميع صفات الإكرام الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم فهو الواحد المنفرد في ملكه، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي تنزيل بالنصب على الحال كما مر، أو بإضمار أعني، والباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر كما مر.
ولما ذكر تعالى المرسل وهو الله تعالى، والمرسل وهو النبي ﷺ والمرسل به وهو القرآن ذكر المرسل لهم بقوله تعالى:
﴿لتنذر قوماً﴾ أي: ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة ﴿ما أنذر﴾ أي: لم تنذر أصلاً ﴿آباؤهم﴾ أي: لم ينذروا في زمن الفترة ﴿فهم﴾ أي: بسبب زمان الفترة ﴿غافلون﴾ أي: عن الإيمان والرشد وقوله تعالى:
(٩/١٣٤)
---


الصفحة التالية
Icon