ولما كان الإنسان إذا انسدت عليه جهة مال إلى أخرى قال تعالى ﴿ومن خلفهم﴾ أي: الوجه الذي هو خفي عنهم ﴿سداً﴾ فلا يرجعون إلى الهداية فصارت كل جهة يلتفتون إليها منسدة فصاروا لذلك لا يمكنهم النظر إلى الحق، ولا الخلوص إليه، فلذلك قال تعالى ﴿فأغشيناهم﴾ أي: جعلنا على أبصارهم بما لنا من العظمة غشاوة ﴿فهم﴾ أي: بسبب ذلك ﴿لا يبصرون﴾ أي: لا يتجدد لهم هذا الوصف من إبصار الحق وما ينفعهم بصر ظاهر ولا بصيرة باطنة، وأيضاً الإنسان مبدؤه من الله تعالى ومصيره إليه فعمى الكافرين بأن لا يبصروا ما بين أيديهم من المصير إلى الله تعالى، وما خلفهم من الدخول في الوجود بخلق الله تعالى كمن أحاط بهم سد فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل، وأيضاً فإن السالك إذا لم يكن له بد من سلوك طريق فإن انسد الطريق الذي قدامه يفوته المقصد ولكنه يرجع، فإذا انسد الطريق من خلفه ومن قدامه والموضع الذي هو فيه لا يكون موضع إقامته هلك.
فإن قيل: ذكر السد من بين الأيدي ومن الخلف ولم يذكره من اليمين والشمال فما الحكمة في ذلك؟ أجيب: بأنهم إذا قصدوا السلوك إلى جانب اليمين أو جانب الشمال صاروا متوجهين إلى شيء ومولين عن شيء فصار ما إليه توجههم ما بين أيديهم، فيجعل الله تعالى السد هناك فيمنعه من السلوك فكيفما توجه الكافر يجعل الله تعالى بين يديه سداً، وقرأ حمزة والكسائي وحفص سداً بفتح السين في الموضعين وهو لغة فيه، والباقون بالضم.
ولما منعوا بذلك حس البصر أخبر عن حس السمع بقوله تعالى:
(٩/١٣٧)
---


الصفحة التالية
Icon