ولما قال ﴿وإن كل لما جميع﴾ كان ذلك إشارة إلى الحشر فذكر ما يدل على إمكانه قطعاً لإنكارهم واستبعادهم فقال تعالى:
(٩/١٥٧)
---
﴿وآية﴾ أي: علامة عظيمة ﴿لهم﴾ أي: على قدرتنا على البعث وإيجادنا له ﴿الأرض﴾ أي: هذا الجنس الذي هم منه ثم وصفها بما حقق وجه الشبه بقوله تعالى: ﴿الميتة﴾ التي لا روح لها؛ لأنه لا نبات بها أعم من أن يكون بها نبات وفنى أو لم يكن بها شيء أصلاً، ثم استأنف بيان كونها آية بقوله تعالى: ﴿أحييناها﴾ أي: باختراع النبات فيها أو بإعادته بسبب المطر كما كان بعد اضمحلاله، فإن قيل: الأرض آية مطلقاً فلم خصها بهم حيث قال تعالى: ﴿وآية لهم﴾؟ أجيب: بأن الآية تعدد وتسرد لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه، وأما من عرف الشيء بطريق الرؤية فلا يذكر له دليل فالنبي ﷺ وعباد الله المخلصين عرفوا الله تعالى قبل الأرض والسماء فليست الأرض معرفة لهم.
تنبيه: آية خبر مقدم ولهم صفتها أو متعلقة بآية؛ لأنها علامة والأرض مبتدأ، وأعرب أبو البقاء آية مبتدأ ولهم الخبر والأرض الميتة مبتدأ وصفة وأحييناها خبره فالجملة مفسرة لآية وبهذا بدأ ثم قال: وقيل فذكر الوجه الأول.
ولما كان إخراج الأقوات نعمة أخرى قال ﴿وأخرجنا منها حباً﴾ أي: جنس الحب كالحنطة والشعير والأرز، ثم بين عموم نفعه بقوله ﴿فمنه﴾ أي: بسبب هذا الإخراج ﴿يأكلون﴾ أي: من ذلك الحب فهو حب حقيقة تعلمون ذلك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين لا تقدرون تدعون أن ذلك خيال سحري بوجه من الوجوه، وفي هذه الآية وأمثالها حث عظيم على تدبر القرآن واستخراج ما فيه من المعاني الدالة على جلال الله تعالى وكماله، وقد أنشد هنا الأستاذ القشيري في تفسيره وعيب على من أهمل ذلك:
*يا من تصدر في دست الإمامة في ** مسائل الفقه إملاء وتدريساً*
*غفلت عن حجج التوحيد تحكمها ** شيدت فرعاً وما مهدت تأسيساً*
ولما ذكر الزرع وهو مالا ساق له أتبعه بذكر ما له ساق بقوله: