﴿ولقد أضل منكم﴾ أي: عن الطريق الواضح السوي بما سلطه به من الوسوسة ﴿جبلاً﴾ أي: أممااًكباراً عظاماً ما كانوا كالجبال في قوة العزائم وصعوبة الانقياد، ومع ذلك كان يلعب بهم كما تلعب الصبيان بالكرة، فسبحان من أقدره على ذلك وإلا فهو أضعف كيداً وأحقر أمراً، وقرأ نافع وعاصم بكسر الجيم و الباء الموحدة وتشديد اللام مع التنوين، وقرأ أبو عمرو وابن عامر بضم الجيم وسكون الموحدة، والباقون بضم الجيم والموحدة وكلها لغات ومعناها: الخلق والجماعة أي: خلقاً ﴿كثيراً﴾ ثم زاد في التوبيخ والإنكار بقوله تعالى: ﴿أفلم تكونوا تعقلون﴾ أي: عداوته وإضلاله، وما حل بهم من العذاب فتؤمنوا ويقال لهم في الآخرة:
﴿هذه جهنم﴾ أي: التي تستقبلكم بالعبوسة، والتجهم كما كنتم تفعلون بعبادي الصالحين ﴿التي كنتم توعدون﴾ أي: إن لم ترجعوا عن غيّكم.
﴿اصلوها﴾ أي: قاسوا حرها وتوقدها وهول أمر ذلك اليوم فإن ذكره على حد ما مضى بقوله تعالى: ﴿اليوم﴾ ليكونوا في شغل شاغل كما كان أصحاب الجنة وشتان ما بين الشغلين ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كنتم تكفرون﴾ أي: تسترون ما هو ظاهر جداً بعقولكم من آياتي في دار الدنيا.
تنبيه: في هذا الكلام ما يوجب شدة ندامتهم وحزنهم من ثلاثة أوجه أحدها: قوله تعالى ﴿اصلوها﴾ أمر تنكيل وإهانة كقوله تعالى ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان: ٤٩)
ثانيها: قوله تعالى ﴿اليوم﴾ يعني: العذاب حاضر ولذاتهم قد مضت وبقي اليوم العذاب. ثالثها: قوله تعالى ﴿بما كنتم تفكرون﴾ فإن الكفر والكفران ينبئ عن نعمة كانت فكفر بها وحياء الكفور من المنعم من أشد الآلام كما قيل:
*أليس بكاف لذي همة ** حياء المسيئ من المحسن*
ولما كان كأنه قيل هل يحكم في ذلك اليوم بعلمه، أو يجري الأمر على قاعدة الدنيا في العمل بالبينة؟ نبه على أظهر من قواعد الدنيا بقوله تعالى مهولاً:
(٩/١٨٢)
---