﴿من يحيي العظام وهي رميم﴾ قالوا: ذلك على طريق الاستبعاد فأبطل الله تعلى استبعادهم بقوله تعالى: ﴿ونسي خلقه﴾ أي: نسي أنا خلقناه من تراب ومن نطفة متشابهة الأجزاء ثم جعلنا لهم من النواصي إلى الأقدام أعضاء مختلفة الصورة، وما اكتفينا بذلك حتى أودعناهم ما ليس من قبيل هذه الأجرام وهو النطق والعقل اللذان بهما استحقوا الإكرام، فإن كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد فهلا يستبعدون خلق الناطق العاقل من نطفة مذرة لم تكن محلاً للحياة أصلاً، ويستبعدون إعادة النطق والعقل إلى محل كانا فيه واختاروا العظم بالذكر؛ لأنه أبعد عن الحياة لعدم الإحساس فيه ووصفوه بما يقوى جانب الاستبعاد من البلاء والتفتت.
والله تعالى دفع استبعادهم من جهة ما في العبد من القدرة والعلم فقال: ﴿وضرب لنا مثلاً﴾ أي: جعل قدرتنا كقدرتهم ونسي خلقه العجيب وبدأه الغريب، ومنهم من ذكر شبهة وإن كان في آخرها يعود إلى مجرد الاستبعاد وهي على وجهين: الأول: أنه بعد العدم لم يبق شيئاً فكيف الحكم على العدم بالوجود؟ فأجاب تعالى عن هذه الشبهة بأن قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
﴿قل﴾ أي: لهؤلاء البعداء البغضاء ﴿يحييها﴾ أي: بعد أن أنشأها أول مرة ﴿الذي أنشأها﴾ أي: من العدم ثم أحياها ﴿أول مرة﴾ فكما خلق الإنسان ولم يكن شيئاً مذكوراً كذلك يعيده إن لم يبق شيئاً مذكوراً.
الوجه الثاني: أن من تفرقت أجزاؤه في مشارق العالم ومغاربه وصار بعضها في أبدان السباع وبعضها في حواصل الطيور وبعضها في جدران الربوع كيف تجتمع.
(٩/١٩٨)
---