والثاني: وعليه الأكثر أن المقسم به هذه الأشياء لظاهر اللفظ فالعدول عنه خلاف الدليل، وأما النهي عن الحلف بغير الله تعالى فهو نهي للمخلوق عن ذلك، وأما قوله تعالى: ﴿وما بناها﴾ فإنه علق لفظ القسم بالسماء ثم عطف عليه القسم بالباني للسماء ولو كان المراد بالقسم بالسماء القسم بمن بنى السماء لزم التكرار في موضع واحد، وهو لا يجوز، وأيضاً لا يبعد أن تكون الحكمة في قسم الله تعالى بهذه الأشياء، التنبيه على شرف ذواتها.
وقال البيضاوي: أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية على مراتب باعتبارها تفيض عليهم أنوار الهيبة منتظرين لأمر الله الزاجرين، للأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور فيها، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخبر، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين لآيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه أو بطواف الأجرام المترتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس يسبحون الليل والنهار لا يفترون، أو بنفوس العلماء الصادقين في العبارات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه، أو بنفوس الغزاة الصادقين في الجهاد الزاجرين للخيل والعدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو، وقال الزمخشري: الفاء في، فالزاجرات والتاليات إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود كقوله:
*يا لهف زيابة للحرث ** الصابح فالغانم فالآيب*
أي: الذي صبح فغنم فآب، وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك: خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل، وإما على ترتب موصوفاتها كقوله: «رحم الله المحلقين فالمقصرين»، والبيضاوي ذكر هذا حديثاً قال شيخنا القاضي زكريا: لم أره بهذا اللفظ ا. ه، لكنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس، وقرأ أبو عمرو وحمزة بالإدغام فيما ذكر، والباقون بالإظهار؛ وجواب القسم.
(٩/٢٠٤)
---