﴿فاستفتهم﴾ أي: سل كفار مكة أن يفتوك بأن يبينوا لك ما تسألهم عنه من إنكارهم البعث وأصله من الفتوة وهي الكرم ﴿أهم أشد﴾ أي: أقوى وأشق وأصعب ﴿خلقاً﴾ أي: من جهة إحكام الصنعة وقوتها وعظمها ﴿أم من خلقنا﴾ أي: من الملائكة والسموات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب.
تنبيه: في الإتيان بمن تغليب للعقلاء وهو استفهام بمعنى التقرير أي: هذه الأشياء أشد خلقاً كقوله تعالى ﴿لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس﴾ (غافر: ٥٧)
وقوله تعالى ﴿أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها﴾ (النازعات: ٢٧)
وقيل: معنى أم من خلقنا أي: من الأمم الماضية؛ لأن لفظ من يذكر لمن يعقل؛ والمعنى: أن هؤلاء الأمم ليسوا بأحكم خلقاً من غيرهم من الأمم الخالية وقد أهلكناهم بذنوبهم فمن الذي يؤمن هؤلاء من العذاب ﴿إنا خلقناهم﴾ أي: أصلهم آدم بعظمتنا ﴿من طين﴾ أي: تراب رخو مهين ﴿لازب﴾ أي: شديد اختلاط بعضه ببعض فالتصق وخمر بحيث يعلق باليد وقال مجاهد والضحاك: منتن فهو مخلوق من غير أب ولا أم وقرأ حمزة والكسائي:
﴿بل عجبت﴾ بضم التاء والباقون بفتحها، أما بالضم فبإسناد التعجب إلى الله تعالى وليس هو كالتعجب من الآدميين كما قال تعالى ﴿فيسخرون منهم سخر الله منهم﴾ (التوبة: ٧٩)
وقال تعالى ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ (التوبة: ٦٧)
فالعجب من الآدميين إنكاره وتعظيمه، والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذم وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا كما في الحديث: «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة» وفي حديث آخر: «عجب ربكم من الكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم» قوله الكم الألّ أشد القنوط.p
وقيل: هو رفع الصوت بالبكا، وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال: إن الله تعالى لا يعجب من شيء ولكن وافق رسوله ﷺ فلما عجب رسوله قال تعالى ﴿وإن تعجب فعجب قولهم﴾ (الرعد: ٥)
(٩/٢١١)
---