﴿ويقولون أئنا﴾ في الهمزتين ما مر ﴿لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون﴾ يعنون محمداً ﷺ ثم إن الله تعالى كذبهم في ذلك الكلام بقوله تعالى:
﴿بل جاء بالحق﴾ أي: الدين الحق ﴿وصدق المرسلين﴾ أي: صدقهم في مجيئهم بالتوحيد فأتى بما أتى به المرسلون من قبله ثم التفت من الغيبة إلى الحضور فقال تعالى:
﴿إنكم لذائقو العذاب الأليم﴾ ثم كأنه قيل: كيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي الغني عن الضر والنفع أن يعذب عباده؟ فأجاب بقوله تعالى:
﴿وما تجزون إلا ما كنتم تعملون﴾ أي: جزاء عملكم وقوله تعالى:
﴿إلا عباد الله المخلصين﴾ أي: المؤمنين استثناء منقطع، وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام بعد الخاء أي: إن الله تعالى أخلصهم واصطفاهم بفضله، والباقون بالكسر أي: إنهم أخلصوا الطاعة لله تعالى وقوله:
(٩/٢١٩)
---
﴿أولئك لهم﴾ أي: في الجنة ﴿رزق معلوم﴾ أي: بكرة وعشياً بيان لحالهم وإن لم يكن ثم بكرة ولا عشية فيكون المراد منه معلوم الوقت وهو مقدار غدوة أو عشية، وقيل: معلوم الصفة أي: مخصوص بصفات من طيب طعم ولذة وحسن منظر، وقيل معناه: أنهم يتقينون دوامه لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل ومتى ينقطع، وقيل: معلوم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله تعالى وقوله:
﴿فواكه﴾ يجوز أن يكون بدلاً من رزق، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: ذلك الرزق فواكه وفي الفواكه جمع فاكهة قولان:
أحدهما: أنها عبارة عما يؤكل للتلذذ لا للحاجة وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه؛ لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات فإن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه فعلى سبيل التلذذ.
والثاني: أن المقصود بذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى أي: لما كانت الفاكهة حاضرة أبداً كان المأكول للغذاء أولى بالحضور.
﴿وهم مكرمون﴾ أي: في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال لا كما عليه رزق الدنيا.
ولما ذكر مأكلهم ذكر مسكنهم بقوله تعالى: