﴿فأقبل بعضهم﴾ أي: بعض أهل الجنة ﴿على بعض يتساءلون﴾ معطوف على يطاف عليهم أي: يشربون فيتحادثون على الشراب قال القائل:
*وما بقيت من اللذات إلا ** محادثة الكرام على المدام*
وأتى بقوله تعالى: ﴿فأقبل﴾ ماضياً لتحقق وقوعه كقوله تعالى ﴿ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار﴾ (الأعراف: ٤٤)
وقوله تعالى ﴿يتساءلون﴾ حال من فاعل أقبل وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا.
ولما ذكر تعالى أن أهل الجنة يتساءلون عند اجتماعهم على الشراب ويتحدثون كان من جملة كلماتهم أنهم يتذكرون ما كان حصل لهم في الدنيا مما يوجب الوقوع في عذاب الله تعالى ثم إنهم تخلصوا منه وهو ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله:
﴿قال قائل منهم﴾ أي: من أهل الجنة في الجنة في مكالمتهم ﴿إني كان لي قرين﴾ أي: في الدنيا ينكر البعث.
(٩/٢٢٢)
---
﴿يقول أءِنك لمن المصدقين﴾ أي: كان يوبخني على التصديق بالبعث ويقول تعجباً.
﴿أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمدينون﴾ أي: مجزيون ومحاسبون من الدين بمعنى الجزاء وهذا استفهام إنكار.
(٩/٢٢٣)
---
تنبيه: اختلف في ذلك القرين فقال مجاهد: كان شيطاناً، وقيل: كان من الإنس، وقال مقاتل: كانا أخوين، وقيل: كانا شريكين حصل لهما ثمانية آلاف دينار فتقاسماها واشترى أحدهما داراً بألف دينار فأراها صاحبه، وقال: كيف ترى حسنها؟ فقال: ما أحسنها ثم خرج فتصدق بألف دينار وقال: اللهم إن صاحبي قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك داراً من دور الجنة، ثم إن صاحبه تزوج امرأة حسناء بألف دينار، فتصدق صاحبه بألف دينار لأجل أن يزوجه الله تعالى من الحور العين، ثم إن صاحبه اشترى بساتين بألفي دينار، فتصدق هذا بألفي دينار ثم إن الله تعالى أعطاه ما طلبه في الجنة، وقيل: كان أحدهما كافراً اسمه ينطواوس والآخر مؤمن اسمه يهودا وهما اللذان قص الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى ﴿واضرب لهم مثلاً رجلين﴾ (الكهف: ٣٢)