ثانيها: أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين إلى السعي في قتل رجل مسلم بغير حق وإلى الطمع في زوجته، أما الأول: فأمر منكر قال ﷺ «من سعى في ذم مسلم ولو بشطر كلمة جاء مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله»، وأما الثاني: فمنكر أيضاً قال ﷺ «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» فإن أوريا لم يسلم من داود عليه السلام لا في روحه ولا في منكوحه.
ثالثها: إن الله تعالى وصف داود عليه السلام بصفات تنافي كونه عليه السلام موصوفاً بهذا الفعل المنكر.
الصفة الأولى: أنه تعالى أمر محمداً ﷺ أن يقتدي بداود عليه السلام في المصابرة على المكاره فلو قلنا: إن داود لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى في إراقة دم عبد مسلم لغرض شهوته فكيف يليق بأحكم الحاكمين أن يأمر محمداً أفضل الرسل ﷺ بأن يقتدي بداود في الصبر على طاعة الله تعالى.
الصفة الثانية: أنه وصفه بكونه عبداً له وقد بينا أن المقصود من هذا الوصف بيان كون ذلك الموصوف كاملاً في وصف العبودية في القيام بأداء الطاعات والاحتراز عن المحظورات، فلو قلنا: إن داود اشتغل بتلك الأعمال الباطلة فحينئذ ما كان داود كاملاً إلا في طاعة الهوى والشهوة.
الصفة الثالثة: وهي قوله تعالى ﴿ذا الأيد﴾ أي: ذا القوة ولا شك أن المراد منه القوة في الدين لأن القوة الكاملة في أداء الواجبات والاجتناب عن المحظورات وأي قوة لمن لم يملك نفسه عن القتل والرغبة في زوجة المسلم.
الصفة الرابعة: كونه أواباً كثير الرجوع إلى الله فكيف يليق هذا الوصف بمن قلبه مشغول بالفسق والفجور.
الصفة الخامسة: قوله تعالى: ﴿إنا سخرنا الجبال معه يسبحن﴾ أَفَتَرى أنه سخرت له الجبال ليتخذ سبيل القتل والفجور؟.
(٩/٢٩٣)
---