وكذلك شكوى العليل وذلك أن أصبر الناس على البلاء لا يخلو من تمني العافية وطلبها، فإذا صح أن يسمى صابراً مع تمني العافية أفلا يعد صابراً مع اللجوء إلى الله تعالى والدعاء بكشف ما به مع التعالج ومشاورة الأطباء. ثانيها: أن الآلام حين كانت على الجسد لم يذكر شيئاً فلما تعاظمت الوساوس على القلب تضرع إلى الله تعالى. ثالثها: أن الشيطان عدو والشكاية من العدو إلى الحبيب لا تقدح في الصبر، ويروى أنه قال في مناجاته: إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ولم يتبع قلبي بصري ولم آكل إلا ومعي يتيم ولم أبت شبعاناً ولا كاسياً ومعي جائع أو عريان فكشف الله تعالى عنه ثم استأنف قوله تعالى: ﴿نعم العبد﴾ أي: أيوب عليه السلام ثم علل بقوله تعالى: مؤكداً لئلا يظن أن بلاءه قادح في ذلك ﴿إنه أواب﴾ أي: رجاع إلى الله تعالى روي: أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿نعم العبد﴾ في حق سليمان عليه السلام تارة وفي حق أيوب عليه السلام أخرى عظم في قلوب أمة محمد ﷺ وقالوا: إن قوله تعالى: ﴿نعم العبد﴾ تشريف عظيم فإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل أيوب عليه السلام لم نقدر عليه فكيف السبيل إلى تحصيله فأنزل الله تعالى قوله سبحانه وتعالى: ﴿نعم المولى ونعم النصير﴾ (الأنفال: ٤٠)
والمراد: أنك أيها الإنسان إن لم تكن نعم العبد فأنا نعم المولى وإن كان منك غير الفضل فأنا مني الفضل، وإن كان منك التقصير فمني الرحمة والتيسير.
القصة الرابعة: قصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهما السلام المذكورة في قوله تعالى:
(٩/٣٢٢)
---