﴿فاعبدوا﴾ أي: أنتم أيها الداعون في وقت الضراء المعرضون في وقت الرخاء ﴿ما شئتم من دونه﴾ أي: غيره في هذا تهديد وزجر لهم وإيذان بأنهم لا يعبدون الله تعالى، ثم بين تعالى كمال الزجر بقوله سبحانه ﴿قل إن الخاسرين﴾ أي: الكاملين في الخسران ﴿الذين خسروا أنفسهم﴾ أي: أوقعوها في هلاك لا يعقل هلاك أعظم منه ﴿و﴾ خسروا ﴿أهليهم يوم القيامة﴾ أيضاً لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا ذهاباً لا رجوع بعده البتة. وقوله تعالى ﴿ألا ذلك﴾ أي: الأمر العظيم البعيد الرتبة في الخسارة ﴿هو الخسران المبين﴾ أي: البين يدل على غاية المبالغة من وجوه؛ أحدها: أنه وصفهم بالخسران ثم أعاد ذلك بقوله تعالى: ﴿ألا ذلك هو الخسران المبين﴾ وهذا التكرير لأجل التأكيد، وثانيها: ذكر حرف ألا وهو للتنبيه، وذكر التنبيه يدل على التعظيم، كأنه قال: بلغ في العظم إلى حيث لا تصل عقولكم إليه فتنبهوا له، وثالثها: قوله تعالى ﴿هو الخسران﴾ ولفظة هو تفيد الحصر كأنه قيل: كل خسران يصير في مقابلته كل خسران، ورابعها: وصفه تعالى بكونه خسراناً مبيناً يدل على التهويل.
ولما شرح الله تعالى خسرانهم وصف ذلك الخسران بقوله تعالى:
﴿لهم من فوقهم ظلل﴾ أي: طباق ﴿من النار ومن تحتهم ظلل﴾ أي: فرش ومهاد نظيره قوله تعالى: ﴿لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش﴾ (الأعراف: ٤١)، فإن قيل: الظلة ما علا الإنسان فكيف سمى ما تحته ظلة؟ أجيب بأوجه: أحدها: أنه من باب إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر كقوله تعالى: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ (الشورى: ٤٠)، ثانيها: أن الذي تحته يكون ظلة لغيره لأن النار دركات كما أن الجنة درجات، ثالثها: أن الظلة التحتانية لما كانت مشابهة للظلة الفوقانية في الحرارة والإحراق والإيذاء أطلق اسم إحداهما على الأخرى لأجل المماثلة والمشابهة وقيل المراد: إحاطة النار بهم من جميع الجهات.
(٩/٣٥٨)
---


الصفحة التالية
Icon