﴿ألم تر﴾ أي: تعلم ﴿أن الله﴾ أي: الذي له كمال القدرة ﴿أنزل من السماء﴾ أي: التي لا يستمسك الماء فيها إلا بقدرة باهرة تقهر الماء على ذلك، والمراد بالسماء: الجرم أو السحاب ﴿ماء﴾ وهو المطر، قال الشعبي: كل ماء في الأرض فمن السماء نزل ثم إنه تعالى ينزله إلى بعض المواضع ثم يقسمه ﴿فسلكه﴾ أي: أدخل ذلك الماء خلال التراب حال كونه ﴿ينابيع في الأرض﴾ أي: عيوناً ومجاري ومسالك كالعروق في الأجسام ﴿ثم يخرج﴾ الله تعالى ﴿به﴾ أي: بالماء ﴿زرعاً مختلفاً ألوانه﴾ من خضرة وحمرة وصفرة وبياض وغير ذلك ومختلفاً أصنافه من بر وشعير وسمسم وغيرها ﴿ثم يهيج﴾ أي: ييبس ﴿فتراه﴾ بعد الخضرة مثلاً ﴿مصفراً﴾ من يبسه لأنه إذا تم جفافه حان له أن يفصل عن منابته ﴿ثم يجعله حطاماً﴾ أي: فتاتاً ﴿إن في ذلك﴾ أي: التدبير على هذا الوجه ﴿لذكرى﴾ أي: تذكيراً وتنبيهاً ﴿لأولي الألباب﴾ أي: أصحاب العقول الصافية جداً فيتذكرون هذه الأحوال في النبات فيعلمون بدلالته على وحدانية الله تعالى شأنه وقدرته وأحوال الحيوان والإنسان، وإنه وإن طال عمره فلابد من الانتهاء إلى أن يصير مصفر اللون منحطم الأعضاء والأجزاء ثم تكون عاقبته الموت، فإذا كانت مشاهدة هذه الأحوال في النبات مذكرة حصول مثل هذه الأحوال في نفسه في حياته فحينئذ تعظم نفرته عن الدنيا ولذاتها.
ولما بين تعالى الدلائل على وجوب الإقبال على طاعة الله تعالى ووجوب الإعراض عن الدنيا ولذاتها ذكر أن الانتفاع بهذه البيانات لا يكمل إلا إذا شرح الصدور ونور القلوب فقال سبحانه:
(٩/٣٦٤)
---