وعن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: كيف كان أصحاب رسول الله ﷺ يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، قال: قلت لها: إن ناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشياً عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وروي أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مر برجل من أهل العراق ساقط فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله تعالى سقط فقال: إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط. وقال ابن عمر: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله ﷺ وذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطاً رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق.
فإن قيل: لم ذكرت الجلود وحدها أولاً في جانب الخوف ثم قرنت بها القلوب ثانياً في الرجاء؟ أجيب: بأن الخشية التي محلها القلوب إذا ذكرت فقد ذكرت القلوب فكأنه قيل: تقشعر جلودهم من آيات الوعيد وتخشى قلوبهم في أول وهلة وإذا ذكر الله تعالى ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة ليناً في جلودهم.
فإن قيل: ما وجه تعدية تلين بإلى؟ أجيب: بأنه ضمن معنى فعل متعد بإلى كأنه قيل: سكنت أو اطمأنت إلى ذكر الله تعالى.
(٩/٣٧٠)
---