﴿أولم يعلموا أن الله﴾ أي: الذي له الجلال والكمال ﴿يبسط الرزق﴾ أي: يوسعه ﴿لمن يشاء﴾ وإن كان لا حيلة له ولا قوة امتحاناً ﴿ويقدر﴾ أي: يضيق الرزق لمن يشاء وإن كان قوياً شديد الحيلة ابتلاء فلا قابض ولا باسط إلا الله تعالى، ويدل على ذلك أنّا نرى الناس مختلفين في سعة الرزق وضيقه فلابد لذلك من حكمة وسبب، وذلك السبب ليس هو عقل الإنسان وجهله فإنا نرى العاقل القادر في أشد الضيق، ونرى الجاهل الضعيف في أعظم السعة، وليس ذلك أيضاً لأجل الطبائع والأفلاك لأن الساعة التي ولد فيها ذلك الملك السلطان القاهر قد ولد فيها عالم أيضاً من الناس وعالم من الحيوان غير الإنسان وتولد أيضاً في تلك الساعة عالم من النبات.
فلما شاهدنا حدوث هذه الأشياء الكثيرة في تلك الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة، علمنا أن الفاعل لذلك هو الله تعالى فصح بهذا البرهان العقلي القاطع صحة قوله تعالى: ﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ قال الشاعر:
*فلا السعد يقضي به المشتري ** ولا النحس يقضي علينا زحل*
*ولكنه حكم رب السماء ** وقاضي القضاة تعالى وجل*
﴿إن في ذلك﴾ أي: البيان الظاهر ﴿لآيات﴾ أي: دلالات ﴿لقوم يؤمنون﴾ أي: بأن الحوادث كلها من الله تعالى بوسط أو غيره.
ولما ذكر تعالى الوعيد أردفه بشرح كمال رحمته فقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
(٩/٣٩٤)
---