ولما ذكر الله تعالى الذين أشقاهم أتبعهم حال الذين أسعدهم بقوله تعالى:
﴿وينجي الله﴾ أي: يفعل بما له من صفات الكمال في نجاتهم فعل المبالغ في ذلك ﴿الذين اتقوا﴾ أي: بالغوا في وقاية أنفسهم من غضبه فكما وقاهم في الدنيا من المخالفات حماهم هنا من العقوبات ﴿بمفازتهم﴾ أي: بسبب فلاحهم لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة، ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لأنه سببها، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة بألف بعد الزاي جمعاً على أن لكل متق مفازة، والباقون بغير ألف بعد الزاي إفراداً وقوله تعالى ﴿لا يمسهم السوء﴾ جملة مفسرة لمفازتهم كأنه قيل: وما مفازتهم؟ فقال: لا يمسهم السوء فلا محل لها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الذين اتقوا، ومعنى الكلام لا يمسهم مكروه ﴿ولا هم يحزنون﴾ أي: ولا يطرق بواطنهم حزن على فائت لأنه لا يفوت لهم شيء أصلاً.
(٩/٤٠٣)
---
ولما كان المخوف منه والمحزون عليه جامعين لكل ما في الكون فكان لا يقدر على دفعهما إلا القادر المبدع القيوم قال تعالى مستأنفاً أو معللاً، مظهراً الاسم الأعظم تعظيماً للمقام:
﴿الله﴾ أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً والذي نجاهم ﴿خالق كل شيء﴾ أي: من خير وشر وإيمان وكفر فلا يكون شيء أصلاً إلا بخلقه.
ولما دل هذا على القدرة الشاملة وكان لا بد معها من العلم الكامل قال تعالى: ﴿وهو على كل شيء﴾ أي: مع القهر والغلبة ﴿وكيل﴾ أي: حفيظ لجميع ما يريده قيوم لا عجز يلم بساحته ولا غفلة وقوله تعالى: