قال تعالى: ﴿ولتكونن﴾ أي: لأجل حبوطه ﴿من الخاسرين﴾ فإن من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته أما من أسلم بعد ردته فإنما يحبط ثواب عمله لا عمله كما نص عليه الشافعي.
تنبيه: اللام الأولى موطئة للقسم والأخريان للجواب.
ولما كان التقدير لا تشرك بنا عطف عليه قوله تعالى:
﴿بل الله﴾ أي: المتصف بصفات الكمال وحده ﴿فاعبد﴾ أي: مخلصاً له العبادة ﴿وكن من الشاكرين﴾ أي: العريقين في هذا الوصف لأنه جعلك خير الخلائق أجمعين.
(٩/٤٠٦)
---
ولما حكى الله تعالى عن المشركين أنهم أمروا الرسول بعبادة الأصنام، ثم إنه تعالى أقام الدلائل على فساد قولهم وأمر الرسول أن يعبد الله ولا يعبد سواه، وبين أنهم لو عرفوا الله تعالى حق معرفته لما جعلوا هذه الأشياء الخسيسة مشاركة له في العبودية قال:
﴿وما قدروا الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿حق قدره﴾ أي: ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره مع أنهم لو استغرقوا الزمان كله في عبادته وخالص طاعته بحيث لم يخل شيء منه عنها لما كان ذلك حق قدره فكيف إذا خلا بعضه عنها فكيف إذا عدل به غيره.
ولما بين أنهم ما عظموه تعظيماً لائقاً به أردفه بما يدل على كمال عظمته بقوله تعالى: ﴿والأرض جميعاً قبضته﴾ وهو مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال أي: ما عظموه حق عظمته والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة كقوله تعالى: ﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم﴾ (البقرة: ٢٨)
أي: كيف تكفرون بمن هذا وصفه وحال ملكه كذا، وجميعاً حال وهي دالة على أن المراد بالأرض: الأرضون لأن هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلا على الجمع، وقدم الأرض على السموات لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها.
ولما كان في هذه الدنيا من يدعي الملك والقهر والعظمة والقدرة وكان الأمر في الآخرة بخلاف هذا لانقطاع الأسباب قال تعالى: ﴿يوم القيامة﴾ ولا قبضة هناك لا حقيقة ولا مجازاً وكذا الطي واليمين وإنما هو تمثيل وتخييل لتمام القدرة.
(٩/٤٠٧)
---