﴿وقالوا﴾ عطف على دخلوها المقدر ﴿الحمد﴾ أي: الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿الذي صدقنا وعده﴾ في قوله تعالى: ﴿تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً﴾ (مريم: ٦٣)
فطابق قوله الواقع الذي وجدناه في هذه الساعة ﴿وأورثنا﴾ كما وعدنا ﴿الأرض﴾ أي: الأرض التي لا أرض في الحقيقة غيرها وهي أرض الجنة التي لا كدر فيها بوجه وفيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقولهم: ﴿نتبوأ﴾ أي: ننزل ﴿من الجنة حيث نشاء﴾ جملة حالية وحيث ظرف على بابها وقيل: مفعول به، وإنما عبر عن أرض الجنة بالأرض لوجهين؛ أحدهما: أن الجنة كانت في أول الأمر لآدم عليه السلام لأنه تعالى قال: ﴿فكلا منها رغداً حيث شئتما﴾ فلما عادت الجنة إلى أولاد آدم عليه السلام كان ذلك سبباً للإرث، ثانيها: أن الوارث ينصرف فيما ورثه كيف شاء من غير منازع فكذلك المؤمنون يتصرفون في الجنة حيث شاؤوا وأرادوا، فإن قيل: كيف يتبوأ أحدهم مكان غيره؟ أجيب: بأن لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة فيتبوأ من جنته حيث شاء ولا يحتاج إلى جنة غيره ولا يشتهي أحد إلا مكانه مع أن في الجنة مقامات معنوية لا يتمانع واردوها ولما كانت بهذا الوصف الجليل تسبب عنه مدحها بقوله: ﴿فنعم﴾ أي: أجرنا هكذا كان الأصل ولكنه قال: ﴿أجر العاملين﴾ ترغيباً في الأعمال وحثاً على عدم الاتكال.
ولما ذكر سبحانه الذين أكرمهم من المتقين وما وصلوا إليه من المقامات أتبعهم أهل الكرامات الذين لا شاغل لهم عن العبادات فقال تعالى صارفاً الخطاب لعلو الخبر إلى أعلى الخلق لأنه لا يقوم بحق هذه الرؤية غيره:
(٩/٤١٧)
---


الصفحة التالية
Icon