وقال تعالى لمحمد ﷺ ﴿وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين﴾ (المؤمنون: ٩٧)، فإن قيل: لفظ الله أعظم من لفظ الرب فلم خص لفظ رب بالدعاء؟ أجيب: بأن العبد يقول: كنت في العدم المحض والنفي الصرف فأخرجتني إلى الوجود وربيتني فاجعل تربيتك وإحسانك سبباً لإجابة دعائي ﴿فاغفر للذين تابوا﴾ أي: رجعوا إليك عن ذنوبهم برحمتك لهم بأن تمحوها عيناً وأثراً فلا عقاب ولا عتاب ولا ذكر لها ﴿واتبعوا﴾ أي: كلفوا أنفسهم على مالها من العوج إن لزموا ﴿سبيلك﴾ المستقيم الذي لا لبس فيه. ولما كان الغفران قد يكون لبعض الذنوب وكان سبحانه وتعالى له أن يعذب من لا ذنب له وأن يعذب من غفر ذنبه قالوا: ﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ أي: اجعل بينهم وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة وتتم نعمتك عليهم فإنك وعدت من كان كذلك بذلك ولا يبدل القول لديك وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء وإن الخلق عبيدك، ولما طلبوا من الله سبحانه وتعالى إزالة العذاب عنهم وكان ذلك لا يستلزم الثواب قالوا مكررين صفة الإحسان زيادة في الرقة في طلب الامتنان.
(٩/٤٣١)
---
﴿ربنا﴾ أيها المحسن إلينا ﴿وأدخلهم جنات عدن﴾ أي: إقامة ﴿التي وعدتهم﴾ أي: إياها وقولهم: ﴿ومن صلح﴾ معطوف على هم في وعدتهم وقدموا قولهم: ﴿من آبائهم﴾ على قولهم: ﴿وأزواجهم وذرياتهم﴾ لأن الآباء أحق الناس بالإجلال وقدموا الأزواج في اللفظ على الذرية لأنهم أشد إلصاقاً بالشخص وطلبوا لهم ذلك لأن الإنسان لا يتم نعيمه إلا بأهله، قال سعيد بن جبير: يدخل الجنة المؤمن فيقول: أين أبي أين ولدي وزوجتي؟ فيقال له: إنهم لم يعملوا مثل عملك، فيقول: إني كنت أعمل لي ولهم، فيقال: أدخلوهم الجنة. ﴿إنك أنت﴾ أي: وحدك ﴿العزيز﴾ أي: فأنت تغفر لمن شئت ﴿الحكيم﴾ فكل فعلك في أتم مواضعه فلا يتهيأ لأحد نقضه ولا نقصه.
(٩/٤٣٣)
---