ولما توعد فرعون موسى عليه السلام بالقتل لم يأت في دفع شره إلا بأن استعان بالله واعتمد على فضله كما قال تعالى:
﴿وقال موسى إني عذت﴾ أي: اعتصمت عند ابتداء الرسالة ﴿بربي﴾ ورغبهم في الاعتصام به وثبتهم بقوله: ﴿وربكم﴾ أي: المحسن إلينا أجمعين وأرسلني لاستنقاذكم من أعداء الدين والدنيا ﴿من كل متكبر﴾ أي: عات طاغ متعظم على الحق هذا وغيره ﴿لا يؤمن﴾ أي: لا يتجدد له تصديق ﴿بيوم الحساب﴾ من ربه له وهو يعلم أنه لا بد من حسابه هو لمن تحت يده من رعاياه وعبيده فيحكم على ربه بما لا يحكم به على نفسه، وبهذين الأمرين يقدم الإنسان على اتقاء الناس لأن المتكبر القاسي القلب قد يحمله طبعه عن إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقراً بالبعث والحساب صار خوفه من الحساب مانعاً له عن الجري على موجب تكبره، فإذا لم يحصل له الإيمان بالبعث والقيامة كان طبعه داعياً له إلى الإيذاء لأن المانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائل فلا جرم تعظم القسوة والإيذاء. واختلف في الرجل المؤمن في قوله تعالى:
﴿وقال رجل مؤمن﴾ أي: راسخ الإيمان ﴿من آل فرعون﴾ أي: من وجوههم ورؤسائهم ﴿يكتم إيمانه﴾ أي: يخفيه خفاء شديداً خوفاً على نفسه، فقال مقاتل والسدي: كان قبطياً ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله تعالى عنه: ﴿وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى﴾ (القصص: ٢٠)، وقيل: كان إسرائيلياً، وعن ابن عباس: لم يكن في آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى عليه السلام الذي قال: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس، ومؤمن آل فرعون الذي قال ﴿أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله﴾ (غافر: ٢٨)
(٩/٤٥٢)
---