وقوله: ﴿إن الله﴾ أي: الذي له مجامع العظمة ﴿لا يهدي﴾ إلى ارتكاب ما ينفع واجتناب ما يضر ﴿من هو مسرف﴾ بإظهار الفساد وبتجاوز الحدود ﴿كذاب﴾ فيه احتمالان؛ أحدهما: أن هذا إشارة إلى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى عليه السلام، والمعنى أن الله تعالى هدى موسى عليه السلام إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة ومن هداه الله تعالى إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفاً كذاباً، فدل على أن موسى عليه السلام ليس من المسرفين الكذابين، ثانيهما: أن يكون المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى عليه السلام كذاب في ادعائه الإلهية والله تعالى لا يهدي من هذا شأنه وصفته بل يبطله ويهدم أمره.
ولما استدل مؤمن آل فرعون على أنه لا يجوز قتل موسى عليه السلام، خوف فرعون وقومه ذلك العذاب الذي توعدهم به في قوله: ﴿يصيبكم بعض الذي يعدكم﴾ فقال:
﴿يا قوم﴾ وعبر بأسلوب الخطاب دون التكلم تصريحاً بالمقصود فقال: ﴿لكم الملك﴾ ونبه على ما يعرفونه من تقلبات الدهر بقوله: ﴿اليوم﴾ وأشار إلى ما عهدوه من الخذلان في بعض الأزمان بقوله: ﴿ظاهرين﴾ أي: عالين على بني إسرائيل وغيرهم، وما زال أهل البلاء يتوقعون الرخاء وأهل الرخاء يتوقعون البلاء ونبه بقوله: ﴿في الأرض﴾ أي: أرض مصر على الاحتياج ترهيباً لهم وعرفها لأنها كالأرض كلها لحسنها وجمعها المنافع ثم حذرهم من سخط الله تعالى فقال: ﴿فمن ينصرنا﴾ أي: أنا وأنتم أدرج نفسه فيهم عند ذكر الشر بعد إفراده لهم بالملك إبعاداً للتهمة وحثاً على قبول النصيحة. ﴿من بأس الله﴾ أي: الذي له الملك كله ﴿إن جاءنا﴾ أي: غضباً لهذا الذي يدعي أنه أرسله فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله تعالى بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد.
(٩/٤٥٥)
---