وكقولهم: «كما تدين تدان»، وقيل: ليس له دعوة أي: عبادة في الدنيا لأن الأوثان لا تدعي الربوبية ولا تدعو إلى عبادتها وفي الآخرة تتبرأ من عابديها ثم قال: ﴿وأن مردنا﴾ أي: مرجعنا ﴿إلى الله﴾ أي: الذي له الإحاطة بصفات الكمال فيجازي كل أحد بما يستحقه ﴿وأن المسرفين﴾ أي: المجاوزين للحدود الغريقين في هذا الوصف، قال قتادة: وهم المشركون لقوله تعالى: ﴿هم﴾ أي: خاصة ﴿أصحاب النار﴾ أي: ملازموها، وعن مجاهد: هم السفاكون للدماء بغير حلها، وقيل: الذين غلب شرهم هم المسرفون.
ولما بالغ هذا المؤمن في هذا الشأن ختم كلامه بخاتمة لطيفة هي قوله:
﴿فستذكرون﴾ أي: قطعاً بوعد لا خلف فيه مع القرب ﴿ما أقول لكم﴾ حين لا ينفعكم الذكر في يوم الجمع الأعظم والزحام الذي يكون فيه القدم على القدم إذا رأيتم الأهوال والنكال والزلزال إن قبلتم نصحي أو لم تقبلوه.
ولما خوفهم بذلك توعدوه وخوفوه بالقتل فعوّل في دفع تخويفهم وكبرهم ومكرهم على الله تعالى بقوله: ﴿وأفوض﴾ أي: أنا الآن بسبب أنه لا دعوة لغير الله ﴿أمري﴾ أي: فيما تمكرونه بي ﴿إلى الله﴾ أي: الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً فهو يحمي منكم من شاء وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى عليه السلام حين خوفه فرعون بالقتل فرجع موسى عليه السلام في دفع ذلك الشر إلى الله تعالى فقال: إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون.Y
ولما علق تفويضه بالاسم العلم الجامع المقتضي للإحاطة علل ذلك بقوله: ﴿إن الله﴾ أي: الذي لا يخفى عليه شيء ﴿بصير﴾ أي: بالغ العلم ﴿بالعباد﴾ ظاهراً وباطناً فيعلم من يستحق النصرة فينصره لاتصافه بأوصاف الكمال ويعلم من يمكر فيرد مكره عليه بما له من الإحاطة، قال مقاتل: فلما قال هذه الكلمات قصدوا قتله.
(٩/٤٦٧)
---