﴿وأما ثمود﴾ وهم قوم صالح عليه السلام ﴿فهديناهم﴾ أي: بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا، وكان بيان ذلك بالناقة غاية البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم التي هي سبب إبصار بصائرهم غاية الإبصار، فكرهوا ذلك لما يلزمه من تركهم طريق آبائهم وأقبلوا على لزوم طريق آبائهم ﴿فاستحبوا﴾ أي: اختاروا ﴿العمى﴾ أي: الكفر ﴿على الهدى﴾ أي: الإيمان، قال القشيري قيل: إنهم آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستبدال.
فإن قيل: أليس معنى هديته حصلت فيه الهدى والدليل عليه قولك: هديته فاهتدى، وبمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟ أجيب: بأنه لما مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق لهم عذراً ولا علة فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها.
﴿فأخذتهم صاعقة العذاب﴾ أي: بسبب ذلك أخذ قهر وهوان ﴿الهون﴾ أي: ذي الهوان وهو الذي يهينهم ﴿بما كانوا﴾ أي: دائماً ﴿يكسبون﴾ أي: من شركهم وتكذيبهم صالحاً عليه السلام.
ولما أنهى الله تعالى الخبر عن الكافرين من الفريقين أتبعه الخبر عن مؤمنيهم بشارة لمن اتبع النبي ﷺ ونذارة لمن صد عنه فقال تعالى:
﴿ونجينا﴾ أي: تنجية عظيمة بما لنا من القدرة ﴿الذين آمنوا﴾ أي: أوجدوا هذا الوصف من الفريقين ﴿وكانوا﴾ أي: كوناً عظيماً ﴿يتقون﴾ أي: يتجدد لهم هذا الوصف في كل حركة وسكون فلا يقدمون على شيء بغير دليل، فإن قيل: كيف يجوز للنبي ﷺ أن ينذر قومه مثل صاعقة عاد وثمود مع العلم بأن ذلك لا يقع في أمته، وقد صرح تعالى بذلك فقال عز من قائل: ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾ (الأنفال: ٣٣)
(١٠/٢٦)
---