﴿ولو شاء الله﴾ أي: المحيط بجميع أوصاف الكمال ﴿لجعلهم﴾ أي: المجموعين ﴿أمة واحدة﴾ للثواب أو للعذاب، ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء أن يكونوا فريقين مقسطين وظالمين ليظهر فضله وعدله وأنه إله جبار واحد قهار لا يبالي بأحد، وهو معنى قوله تعالى ﴿ولكن يدخل من يشاء﴾ إدخاله ﴿في رحمته﴾ بخلق الهداية في قلبه فتكون أفعالهم في مواضعها وهم المقسطون، ويدخل من يشاء في نقمته بخلق الضلالة في قلوبهم فيكونوا ظالمين فلا تكون أفعالهم في مواضعها، فالمقسطون ما لهم من عدو ولا نكير ﴿والظالمون﴾ أي: العريقون في الظلم الذين ساء ظلمهم وهم الكافرون فيدخلهم في لعنته ﴿ما لهم من ولي﴾ أي: يلي أمورهم فيجتهد في صلاحها فيدفع عنهم العذاب ﴿ولا نصير﴾ ينصرهم من الهوان فيمنعهم من النار، وعلى هذا التقدير: فالآية من الاحتباك وهو ظاهر ذكر الرحمة أولاً دليلاً على اللعنة ثانياً، والظلم وما معه ثانياً دليلاً على أضداده أولاً، وهذا تقدير لقوله تعالى: ﴿الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل﴾ أي: أنت لا تقدر أن تحملهم على الإيمان ولو شاء الله تعالى لفعله لأنه أقدر منك، لكنه تعالى جعل البعض مؤمناً والبعض كافراً.
ولما حكى الله تعالى عنهم أولاً أنهم اتخذوا من دونه أولياء ثم قال لنبيه محمد ﷺ ﴿لست عليهم بوكيل﴾ أي: لا يجب عليك أن تحملهم على الإيمان، فإن الله تعالى لو شاء لفعله أعاد ذلك الكلام على سبيل الإنكار بقوله تعالى:
(١٠/٦٦)
---