﴿وإذ﴾ أي: واذكر يا أفضل الخلق إذ ﴿قال إبراهيم﴾ أي: الذي هو أعظم آبائهم ومحط فخرهم والمجمع على محبته وحقية دينه منهم ومن أهل الكتاب وغيرهم ﴿لأبيه﴾ من غير أن يقلده كما قلدتم أنتم آباءكم ﴿وقومه﴾ الذين كانوا هم القوم في الحقيقة لاحتوائهم على ملك جميع الأرض ﴿إنني براء﴾ أي: بريء ﴿مما تعبدون﴾ أي: في الحال والاستقبال.
﴿إلا الذي فطرني﴾ أي: خلقني ﴿فإنه سيهدين﴾ أي: يرشدني لدينه ويوفقني لطاعته.
تنبيه: في هذا الاستثناء أوجه؛ أحدها: أنه استثناء منقطع لأنهم كانوا عبدة أصنام فقط، ثانيها: أنه متصل لأنه روي أنهم كانوا يشركون مع الباري غيره، ثالثها: أن تكون إلا صفة بمعنى غير على أن تكون ما نكرة موصوفة قاله الزمخشري. قال أبو حيان: وإنما أخرجها في هذا الوجه عن كونها موصولة لأنه يرى أن إلا بمعنى غير لا يوصف بها إلا النكرة وفيها خلاف، وعلى هذا يجوز أن تكون ما موصولة وإلا بمعنى غير صفة لها.
﴿وجعلها﴾ أي: إبراهيم ﴿كملة﴾ أي: التوحيد المفهومة من قوله إنني إلى سيهدين ﴿باقية في عقبه﴾ أي: ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله تعالى لأنه عليه السلام مجاب الدعوة وقال: ﴿ومن ذريتي﴾ (إبراهيم: ٤٠)
﴿ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم﴾ (البقرة: ١٢٩)
﴿لعلهم﴾ أي: أهل مكة ﴿يرجعون﴾ عما هم عليه إلى دين أبيهم فإنهم إذا ذكروا أن أباهم الأعظم الذي بنى لهم البيت وأورثهم الفخر قال ذلك تابعوه قال الله تعالى:
﴿بل متعت هؤلاء﴾ أي: الذين بحضرتك من المشكرين وأعداء الدين ﴿وآياتهم﴾ أي: مددت لهم في الأعمار مع إسباغ النعم وسلامة الأبدان من البلايا والنقم ولم أعاجلهم بالعقوبة فأبطرتهم نعمتي، وتمادى بهم ركوب ذلك الباطل ﴿حتى جاءهم الحق﴾ أي: القرآن ﴿ورسول مبين﴾ أي: مظهر لهم الأحكام الشرعية وهو محمد صلى الله عليه وسلم
(١٠/١٣٩)
---


الصفحة التالية
Icon