ثم علل ذلك بما ثمرته عمارة الأرض بقوله تعالى: ﴿ليتخذ﴾ أي: بغاية جهده ﴿بعضهم بعضاً سخرياً﴾ أي: ليستخدم بعضهم بعضاً فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل، فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض هذا بماله وهذا بأعماله فيلتئم قوام العالم؛ لأن المقادير لو تساوت لتعطلت المعايش فلم يقدر أحد منهم أن ينفك عما جعلناه إليه من هذا الأمر الدنيء، فكيف يطمعون في الاعتراض في أمر النبوة أيتصور عاقل أن نتولى قسم الناقص ونكل العالي إلى غيرنا، قال ابن الجوزي: فإذا كانت الأرزاق بقدر الله تعالى لا بحول المحتال وهي دون النبوة فكيف تكون النبوة وهذا هو المراد بقوله تعالى: صارفاً القول عن مظهر العظمة إلى الوصف بالإحسان إظهار الشرف النبي صلى الله عليه وسلم
﴿ورحمت ربك﴾ أي: المربي لك والمدبر لأمرك بإرسالك وإنارة الوجود برسالتك التي هي لعظمتها جديرة بأن تضاف إليه ولا يسمي غيرها رحمة ﴿خير مما يجمعون﴾ من حطام الدنيا الفاني فإنه وإن تأتَّى فيه خير في استعماله في وجوه البر بشرطه فهو بالنسبة إلى النبوة وما قاربها مما دعا إلى الإعراض عن الدنيا متلاش، وقيل: المراد بالرحمة: الجنة، وجرى عليه البغوي وتبعه الجلال المحلي وابن عادل، وجرى على الأول البيضاوي وتبعه البقاعي وهو الظاهر من الآية الكريمة.
فائدة: اتفق القراء هنا على قراءة سخريا بضم السين ثم بين تعالى حقارة الدنيا وخستها التي يفتخرون بها بقوله تعالى:
(١٠/١٤٢)
---


الصفحة التالية
Icon