﴿ومثلاً﴾ أي: حديثاً عجيب الشأن سائراً سير المثل ﴿للآخرين﴾ أي: الذين خلفوا بعدهم من زمنهم إلى آخر الدهر فيكون حالهم عظة لناس وإضلالاً لآخرين فمن أريد به الخير وفق لمثل خير يرده عن غيه، ومن أريد به الشر اقتدى به في الشر، وقرأ حمزة والكسائي: بضم السين واللام والباقون بفتحهما، فأما الأولى: فتحتمل ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه جمع سليف كرغيف ورغف وسمع القاسم بن معن من العرب: سليف من الناس كالفريق منهم، والثاني: أنه جمع سالف كصابر وصبير، والثالث: أنها جمع سلف كاسد وأسد، وأما الثانية: فتحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون جمعاً لسالف كحارس وحرس وخادم وخدم وهذا في الحقيقة اسم جمع لا جمع تكسير إذ ليس في أبنية التكسير صيغة فعل، والثاني: أنه مصدر يطلق على الجماعة تقول سلف الرجل يسلف سلفاً أي: تقدم والسلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض وسلف الرجل آباؤه المتقدمون والجمع أسلاف وسلاف، وقال طفيل: سلفوا سلفاً فصد السبيل عليهم صروف المنايا والرجال تغلب واختلف في سبب نزول قوله تعالى:
﴿ولما ضرب ابن مريم مثلاً﴾ فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعرى مع النبي ﷺ في شأن عيسى عليه السلام لما نزل قوله تعالى ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ كما تقدم في سورة الأنبياء والمعنى: ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلاً وجادل رسول الله ﷺ بعبادة النصارى إياه ﴿إذا قومك﴾ أي: من قريش ﴿منه﴾ أي: من هذا المثل ﴿يصدون﴾ أي: يرفع لهم ضجيج فرحاً بسبب ما رأوا من سكوت النبي ﷺ فإن العادات قد جرت بأن أحد الخصمين إذا انقطع أظهر الخصم الثاني الفرح والضجيج، وقال قتادة: يقولون ما يريد محمد منا إلا أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى.
(١٠/١٥٩)
---