كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور فقال ابن عباس: يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع في نفسك هذا ولم تحرجوا به لهلكت، نزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالاً فحالاً، وقال قتادة وابن زيد: أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه السلام على النبي ﷺ نجوماً في عشرين سنة وقوله تعالى ﴿إنا﴾ أي: على ما لنا من العظمة ﴿كنا﴾ أي: دائماً لعبادنا ﴿منذرين﴾ أي: مخوفين استئناف بين به المقتضى للإنزال وكذلك قوله تعالى:
﴿فيها﴾ أي: الليلة المباركة سواء قلنا إنها ليلة القدر أو ليلة النصف ﴿يفرق﴾ أي: ينشر ويبين ويفصل ويوضح مرة بعد مرة ﴿كل أمر حكيم﴾ أي: محكم الأمر لا يستطاع أن يطعن فيه بوجه من جميع ما يوحي به من الكتب وغيرها والأرزاق والآجال والنصر والهزيمة والخصب والقحط وغيرها من جميع أقسام الحوادث وجزئياتها في أوقاتها وأماكنها، ويبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها من العام المقبل فيجدونه سواء فيزدادون بذلك إيماناً، قال ابن عباس: يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يقال: يحج فلان ويحج فلان، وقال الحسن ومجاهد وقتادة: يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل عمل وأجل وخلق ورزق وما يكون في تلك السنة، وقال عكرمة: ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد قال ﷺ «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح النساء ويولد له وقد خرج اسمه في ديوان الموتى».
(١٠/١٨٤)
---


الصفحة التالية
Icon