ولما كانت العادة جارية في الدنيا بإقامة الحقوق بكتابة الوثائق وكانوا كأنهم يقولون ومن يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طول المدة وبعد الزمان؟ قال تعالى مجيباً بما يقرب إلى عقل من يسأل عن ذلك ﴿إنا﴾ أي: على ما لنا من العظمة المغنية عن الكتابة ﴿كنا﴾ على الدوام ﴿نستنسخ ما كنتم﴾ طبعاً لكم وخلقاً ﴿تعملون﴾ قولاً وفعلاً ونية أي: نأمر الملائكة عليهم السلام بكتبها وإثباتها عليكم، وقيل: نستنسخ أي: نأخذ نسخه وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله تعالى منه ما كان له من ثواب أو عقاب ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب، والاستنساخ من اللوح المحفوظ، تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم والاستنساخ لا يكون إلا من أصل كما ينسخ من كتاب كتاب، وقال الضحاك: نستنسخ أي: نثبت، وقال السدي: نكتب، وقال الحسن: نحفظ.
ثم بين تعالى أحوال المطيعين بقوله تعالى:
﴿فأما الذين آمنوا﴾ أي: من الأمم الجاثية ﴿وعملوا﴾ أي: تصديقاً لدعواهم الإيمان ﴿الصالحات﴾ أي: الطاعات فوصفهم بالعمل الصالح بعد وصفهم بالإيمان يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان زائد عليه ﴿فيدخلهم﴾ أي: في ذلك اليوم ﴿ربهم﴾ أي: المحسن إليهم بالتوفيق بالإيمان ﴿في رحمته﴾ التي من جملتها الجنة والنظر إلى وجهه الكريم الذي هو الغاية القصوى وتقول لهم الملائكة تشريفاً: سلام أيها المؤمنون ودل على عظمة الرحمة بقوله تعالى: ﴿ذلك﴾ أي: الإحسان العالي المنزلة ﴿هو﴾ أي: لا غيره ﴿الفوز المبين﴾ أي: الظاهر الذي لا يخفى على أحد شيء من أمره لأنّه لا يشوبه كدر أصلاً ولا نقص بخلاف ما كان من أسبابه في الدنيا فإنها مع كونها كانت فوزاً كانت خفية جداً على غير الموقنين. ثم بين تعالى أحوال الفريق الآخر بقوله تعالى:
(١٠/٢٣٢)
---