تنبيه: الساعة هنا مرفوعة باتفاق ﴿إن﴾ أي: ما ﴿نظن﴾ أي: نعتقد ما تخبروننا به عنها ﴿إلا ظناً﴾ وأما وصوله إلى درجة العمل فلا ﴿وما نحن﴾ وأكدوا النفي فقالوا ﴿بمستيقنين﴾ أي: بموجود عندنا اليقين في أمرها، قال الرازي: القوم كانوا في هذه المسألة على قولين: منهم من كان قاطعاً بنفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى ﴿وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا﴾ ومنهم من كان شاكاً متحيراً فيه لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسل عليهم السلام ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته صاروا شاكين فيه وهم المذكورون في هذه الآية، ويدل على ذلك أنه حكى تعالى مذهب أولئك القاطعين ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول.
ولما وصلوا إلى حد عظيم من العناد التفت إلى أسلوب الغيبة إعراضاً عنهم إيذاناً بشدة الغضب عليهم فقال تعالى:
﴿وبدا﴾ أي: ولم يزالوا يقولون ذلك إلى أن بدت لهم الساعة بما فيها من الأوجال والزلازل والأهوال وظهر ﴿لهم﴾ غاية الظهور ﴿سيئات ما عملوا﴾ في الدنيا فتمثلت لهم وعرفوا مقدار جزائها واطلعوا على جميع ما يلزم على ذلك ﴿وحاق﴾ أي: أحاط ﴿بهم﴾ على حال القهر والغلبة قال أبو حيان: ولا يستعمل إلا في المكروه ﴿ما كانوا﴾ جبلة وطبعاً ﴿به يستهزئون﴾ أي: يوجدون الهزء به على غاية الشهوة واللذة إيجاد من هو طالب لذلك، وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا إن نظن إلا ظناً إنما ذكروه استهزاء وسخرية فصار هذا الفريق أشر من الفريق الأول، لأن الأولين كانوا منكرين وما كانوا مستهزئين وهؤلاء ضموا إلى الإصرار على الإنكار الاستهزاء، وقرأ حمزة في الوقف بتسهيل الهمزة بعد الزاي كالواو وله أيضاً إبدالها ياء ونقل عنه أيضاً غير ذلك.
(١٠/٢٣٤)
---


الصفحة التالية
Icon