﴿الذين حق﴾ أي: ثبت ووجب ﴿عليهم القول﴾ أي: الكامل في بابه، بأنهم أسفل السافلين. وهذا كما قال البيضاوي يردّ على من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر؛ لأنه يدل على أنه من أهلها لذلك وقد جبّ عنه إن كان لإسلامه وقال البقاعي: وهذا يكذب من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر فإنه أسلم وصار من أكابر الصحابة فحقت له الجنة، ولما أثبت لهم هذه الشنعة بين كثرة من شاركهم فيها بقوله تعالى: ﴿في﴾ أي: كائنين في ﴿أمم﴾ أي: خلائق كانوا بحيث يقصدهم الناس، ويتبع بعضهم بعضاً ﴿قد خلت﴾ أي: تلك الأمم ﴿من قبلهم﴾ وكانوا قدوتهم وأدخل الجار؛ لأنّ المحكوم عليه بعض السالفين ﴿من الجنّ﴾ لأنّ العرب كانت تستعظمهم، وتستجير بهم وذلك لأنهم يتظاهرون لهم، ويؤذونهم ولم يقطع أذاهم لهم، وتسلطهم عليهم ظاهراً وباطناً إلا القرآن: فإنه أحرقهم بأنواره، وجلاهم عن تلك البلاد بتجلي آثاره ﴿وإلانس﴾ ولا نفعتهم كثرتهم ولا أغنت عنهم قوتهم وقوله تعالى ﴿إنهم﴾ أي: كلهم ﴿كانوا﴾ أي: جبلة وطبعاً وخلقاً لا يقدرون على الانفكاك عنه ﴿خاسرين﴾ أي عريقين في هذا الوصف تعليل للحكم على الاستئناف. ﴿ولكل درجات مما عملوا﴾ قال ابن عباس: يريد من سبق إلى الإسلام فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو ساعة وقال مقاتل: ولكل واحد من الفريقين يعنى البارّ بوالديه والعاق لهما درجات في الإيمان والكفر والطاعة والمعصية.
فإن قيل كيف يجوز إطلاق لفظ الدرجات على أهل النار وقد روي «الجنة درجات والنار دركات» أجيب من وجوه أحدها: أنّ ذلك على جهة التغليب وثانيها: قال ابن زيد: درج أهل الجنة تذهب علواً، ودرج أهل النار تذهب هبوطاً وثالثها: المراد بالدرجات المراتب المتزايدة، فدرجات أهل الجنة في الخيرات والطاعات، ودرجات أهل النار في المعاصي والسيئات.
(١١/٢٣)
---