﴿قالوا يا قومنا﴾ مترققين لهم، ومترفقين بهم بذكر ما يدل على أنهم منهم، يهمهم ما يهمهم ﴿إنا سمعنا﴾ أي: ما بيننا وبين القارىء واسطة. وأشاروا إلى أنه لم ينزل بعد التوراة شيء جامع لجميع ما يراد منه، مغن عن جميع الكتب غير هذا. وبذلك عرفوا أنه ناسخ لجميع الشرائع بقولهم: ﴿كتاباً﴾ أي: ذكراً جامعاً، لا كما نزل بعد التوراة على بني إسرائيل ﴿أنزل﴾ أي: ممن لا منزل غيره، وهو ملك الملوك لأنّ عليه من رونق الكتب الإلهية ما يوجب القطع لسامعه بأنه منها، فكيف إذا انضم إلى ذلك الإعجاز؟ وعلموا قطعاً بعربيته أنه عربي، وبأنهم كانوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ويسمعون قراءة الناس لما يحدثونه من الحكم والخطب والكهانة والرسائل والأشعار، وأنه مباين لجميع ذلك ﴿من بعد موسى﴾ فلم يقتدوا بما أنزل بين هذا الكتاب وبين التوراة، من الإنجيل وما قبله، لأنه لا يساوي التوراة في الجمع، وروي عن عطاء والحسن: إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهوداً. «وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الجنّ ما سمعوا أمر عيسى، فلذلك قالوا من بعد موسى» ولما أخبروا بأنه منزل، أتبعوه ما يشهد له بالصحة بقولهم:
(١١/٣٨)
---
﴿مصدقاً لما بين يديه﴾ أي: من جميع كتب بني إسرائيل الإنجيل وما قبله، ثم بينوا تصديقه بقولهم: ﴿يهدي إلى الحق﴾ الأمر الثابت الذي يطابق الواقع، فلا يقدر أحد على إزالة شيء مما يخبر به الكامل في جميع ذلك ﴿وإلى طريق﴾ موصل إلى المقصود ﴿مستقيم﴾ لا عوج فيه ﴿يا قومنا﴾ الذين لهم قوة العلم والعمل ﴿أجيبوا داعي الله﴾ أي: الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال. فإن دعوة هذا الداعي عامة لجميع الخلق، فالإجابة واجبة على كل من بلغه أمره وفي هذه الآية دلالة على أنه ﷺ كان مبعوثاً إلى الجن، كما كان مبعوثاً إلى الإنس ﴿وآمنوا به﴾ أي: أوقعوا التصديق بسبب الداعي، وهو النبي ﷺ لا بسبب آخر فإن المفعول معه مفعول مع الله تعالى.