ولما ذكر تعالى أهل بيعة الرضوان وأضافهم إلى حضرة الرحمن ذكر من غاب عن ذلك الجناب وأبطأ عن حضرة تلك العمرة. بقوله تعالى:
﴿سيقول﴾ أي: بوعد لا خلف فيه ﴿لك﴾ أي: لأنهم يعلمون شدّة رحمتك ورفقك وشفقتك على عباد الله فهم يطمعون في قبولك من فاسد عذرهم ما لا يطمعون فيه من غيرك من خلص المؤمنين ﴿المخلفون﴾ أي: الذين خلفهم الله تعالى عنك فلم يرضهم لصحبتك في هذه العمرة فجعلهم كالشيء التافه الذي يخلفه الإنسان لأنه لا فائدة فيه فلا يعبأ به. وقال تعالى: ﴿من الأعراب﴾ ليخرج من تخلف بالجسد من خلص الأنصار وغيرهم ممن كان حاضراً معه ﷺ بالقلب. قال ابن عادل وابن عباس ومجاهد: يعني بالأعراب أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم. «وذلك أنّ رسول الله ﷺ حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب والبوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً فتثاقل كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل فأنزل الله تعالى فيهم ﴿سيقول لك المخلفون﴾» أي: الذي خلفهم الله تعالى من الأعراب عن صحبتك إذا رجعت إليهم من عمرتك وعاتبتهم على التخلف ﴿شغلتنا﴾ أي: عن إجابتك في هذه العمرة ﴿أموالنا وأهلونا﴾ أي: النساء والذراري فأنا لو تركناهم لضاعوا لأنه لم يكن لنا من يقوم بهم وأنت قد نهيت عن ضياع المال والتفريط في العيال ثم سببوا عن هذا القول المراد به السوء قولهم ﴿فاستغفر﴾ أي اطلب المغفرة ﴿لنا﴾ من الله تعالى إن كنا أخطأنا وقصرنا فكذبهم الله تعالى في اعتذارهم بقوله سبحانه وتعالى ﴿ويقولون بألسنتهم﴾ أي: في الشغل والاستغفار وأكد ما أفهمه ذكر اللسان من أنه قول ظاهري نفياً للكلام الحقيقي الذي هو النفسي بكل اعتبار بقوله تعالى: ﴿ما ليس في قلوبهم﴾ لأنهم لم يكن لهم شغل ولا كانت لهم نية في سؤال