﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي: أقرّوا بالإيمان ﴿لا تقدّموا﴾ من قدم بمعنى تقدّم أي لا تتقدّموا وحذف المفعول ليعم كل ما يصح تقديمه، فيذهب الوهم كل مذهب ويجوز أن يكون حذفه من غير قصد إليه أصلاً بل يكون النهي موجهاً إلى نفس التقدمة أي لا تتلبسوا بهذا الفعل ﴿بين يدي الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي لا يطاق انتقامه ﴿ورسوله﴾ أي: الذي عظمته ظاهرة جدّاً لا نهاية له، لأنّ عظمته من عظمته، ولذلك قرن اسمه باسمه واختلف في سبب نزول ذلك. فقال الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى قبل الصلاة. أي لا تذبحوا قبل أن يذبح النبيّ ﷺ وذلك «أن أناساً ذبحوا قبله ﷺ فأمرهم أن يعيدوا الذبح» وقال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء».
(١١/١٣٤)
---
وعن مسروق عن عائشة رضى الله عنها: أنه في النهي عن صوم يوم الشك. أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم. وعن ابن الزبير: «أنه قدم ركب من بني تميم على النبيّ ﷺ فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد بن زرارة وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت هذه الآية». قال ابن الزبير: فكان عمر لا يسمع رسول الله ﷺ بعد هذه الآية حتى يستفهمه. وعن ابن أبي مليكة: نزل ﴿يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم﴾ وهذا أنسب. وقال الضحاك: يعني في القتال وشرائع الدين أي لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله. قال الرازي: والأصح أنه إرشاد عام يشمل الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل افتيات وتقدّم واستبداد بالأمر وإقدام على فعل غير ضروري من غير مشاورة.


الصفحة التالية
Icon